Connect with us

مدونة آسو

قراءة في ديوان “رجل واحد لا يكفي” للشاعرة السورية “هناء داوود”

نشر

قبل

-
حجم الخط:

أفين علو
الشاعرة السورية “هناء داوود” لا تخشى النار، لأنها مشغولة بإنقاذ ما تبقى من الحريق.

صدر مؤخراً للشاعرة السورية “هناء داوود” مجموعة شعرية جديدة بعنوان (رجلٌ واحدٌ لا يكفي) عن دار “نينوى للدراسات والنشر والتوزيع”، جاءت المجموعة في (212) صفحة من القطع الوسط، وحملت النصوص عناوين، مثل: (امرأة خلعت أحدهم، وليمة للبكاء، عبث، الليل وأسراره، للحب رجاله، نصف رجل .. نصف وطن،..) وتعود لوحة غلاف الديوان واللوحات الداخلية للفنان العالمي عمر حمدي (مالفا).

وكان قد صدر للشاعرة عدة أعمال:
– النجوم تسافر أيضاً / شعر
– أربعون هزيمة وأنا / شعر
– السقوط في الأحمر / قصص قصيرة
– كتاب نقدي عن تجربة الفنان التشكيلي العالمي عمر حمدي “مالفا”.

“هناء داوود” شاعرة سورية تقيم في مدينة الحسكة، حائزة على إجازة في اللغة العربية من جامعة الفرات.

بلغتها المتمردة تمكنت بحرفية من أن تكون طوع قلمها الجريء ومنذ سنوات، تحاول أن تقول شيئاً لا يشبه كلام غيرها من الشاعرات السوريات، كأنها تكتب سيرة قلبها الجريح، سيرة عشق أو حب أو وداع أو خيانة، الخيانة التي تبدأ بها الشاعرة ديوانها:
أُخرجك مني
مثلما يخرجون رصاصة
ثم أعيد ترتيب المكان للأسماء البعيدة
أخرجك مني
شجرة تفاح وحيدة في الربيع،
ثم أملأ الفراغ بألوان خشبية،
وأجلس..
لأراقب الغابة البعيدة التي كنتَ تحجبها.

تعرف هناء ماذا تريد وتعرف أيضاً وعبر قصائدها أن توصل رسائل، لجمهورها وخاصة النساء، لتطرح هي ذاتها نموذجاً جديداً للمرأة التي تعمل على كشف خبايا الروح وانكساراتها وإلى جانب خلق امرأة جديدة متمردة على كل موروث يحد من إنسانيتها:
عتاب صارخ في وجه رجل
المرأة التي كانت تحب
أصاب الملل أصابعها لكثرة وقوفها على حافة الحروف
وهي تفكر في كلام كثير
كلام لم تكتبه بعد
لن تكتبه..
عنوان (رجل واحد لا يكفي) أثار الكثير من التساؤلات والتحفظات في محيط المكان الذي تنتمين إليه، فما السبب؟

تطرح هناء داوود في ديوانها مشروع أدبي جديد أساسه هو ذاك الرجل الذي يمنح أنثاه أجنحة تطير بها، يمنحها سماء من أمل وأمان، هي تكتب سيرة الرجال اللذين تركوا بصمتهم في روح الأنثى ثم تركوها تحترق، تتحدث عن الرجال بعدة أشكال وألوان، هي تتحدى عبر نتاجاتها الإبداعية التابوهات والعادات الاجتماعية الخاطئة:
كان عليك قبل أن تودّعها..
أن تغسل آثار عناقهم عنها
وأن تذيب أعقاب الأصابع..
العالقة على جسدها
لكنّك لستَ بواثق أنّك الأخير
إذن
فلتشعل أصابعك أنت الآخر
ولا تعانقها..
أشعل أصابعك فقط
ثم لوّح لها وهي تطفئ شموع غيرك..
هل تحدثت هناء عن أشياء لم يجرؤ أحد على الخوض في تفاصيلها؟ هل كان التحدث في ذلك عادياً بالنسبة لها؟
هناء لم تكن تفكر في كسر القواعد أو الضوابط، وإنما في أن تقول الحقائق
على جسدها
صلى ركعتين وقبلة
ليقول للفجر
أن قصيدة نجت..
وغرقت هي
في هذا الديوان أدركت الشاعرة بأن هناك حاجة ماسة إلى أن يتحدث الناس بصوت عالٍ ضد الظلم، بأن هناك جراح عميقة في قلب وروح وجسد بعض النساء، ضحايا فتح النوافذ في الغيوم، ورسم أبواب في الهواء، تتحدث عن رجال قساة القلوب والمشاعر، عن أولئك الذين ينامون بعمق بعد أن تركوا الكثير من القلوب تحترق وتصبح رماداً.
يا.. أنت
ربما لا أملك الأقدار
ولا أملك أن أبقيك بجانبي
لكنني أملك قلباً صغيراً
عمداً..
تبقيه أنت في جيبك
وعمداً..
أنسى أن أعيده لصدري
كلما فرّقنا المساء.

الشاعرة هناء أثارت ضجة حول ديوانها، على أمل أن يحدث شيء يغير هذه الفوضى واللامبالاة، هي تكتب عبر هذه النصوص، تلك الخيانات، تلك الدموع، هي تقول بصوت عالٍ: كان عليك أن تكون معي، كان عليك أن لا تقتلني أكثر من مرة.

تملك الشاعرة هناء شخصية صادقة حرة وشجاعة، لا تكترث بالقيود، هي تظهر جمال الصدق والحقيقة، بين غلاف (رجل واحد لا يكفي)، وتلوح بأصابع من شموع، تلوح للنساء الجريحات والمتعبات من الحياة والحب.

*الصورة من النت