مدونة آسو
في عصر فوضى المعلومات: كيف نميز بين الخاطئة والمضللة؟
وسط انتشار حملات التضليل وتزييف الحقائق تبرز أهمية التسلح بالرؤية النقدية لما نطالعه عبر الإنترنت
“تمّّ كتابة هذه المادة من قبل فريق “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ضمن مشروع خاص لتدريب صحفيين/ات ومدافعين/ات عن حقوق الإنسان على تقنيات التحقق الرقمي، وجرى نشرها بالتعاون مع المنظمات ووسائل الإعلام الشريكة التالية: منصة نكستوري، وكالة نورث برس، مجلة صور، ترو بلاتفورم، شبكة آسو ومنظمة نكستيب”
المقدمة:
رغم أن تناقل الشائعات والأخبار الكاذبة واستخدام البروباغندا بهدف التأثير على آراء وسلوك الأشخاص ليس بالأمر الجديد، إلا أن سرعة انتشار المعلومات عبر الإنترنت وسهولة مشاركة المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، أسهم في توسيع نطاق تأثيرها العالمي مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر وأضرار نفسية واجتماعية ومادية وصحية على الأفراد والمجتمع.
ومع الكم الهائل من الأخبار المزيفة أصبحت قدرة المتلقي على فهم الوقائع ومقاربتها بشكل سليم أمراً في غاية الصعوبة، فقد بات يواجه حالة من الشكّ والحيرة أمام كل خبر أو معلومة تطفو على السطح ما جعل تمييز الأخبار الحقيقة من غيرها عملية شاقة ومؤرقة.
إن أي محتوى رقمي قابل لأن يكون مادة للتلاعب والتضليل ولا بدّ من وضعه محلّ شكّ، خاصة إذا كان سيبُنى عليه قرار مهم، أو سيتم إعادة نشره وتحويله إلى جهات جديدة، لاسيما أن عدد الإعجابات والمشاركات والتغريدات والزيارات أيضاً، يمكن لها أن تكون عرضة للتلاعب من قبل أفراد أو جهات تسعى لتحقيق مكاسب معينة، وهو ما يوجب علينا تعطيل الثقة التلقائية بكل ما نتعرّض له في البيئة الرقمية.
خلال العقود الأخيرة غيّرت التحولات التقنية السريعة طرق تواصل الناس مع بعضهم البعض، وسبل حصولهم على المعلومات وتناقلها، ما زاد من سرعة تردد الأخبار بشكل هائل، فقد يحتاج الخبر إلى ثوانٍ قليلة معدودة حتى ينتشر في أمكنة مختلفة من العالم، وهو ما يعني أيضاً سرعة انتشار المعلومات المغلوطة سواء بشكل عرضي أو موجّه.
وغالباً لا يمكن معرفة من بدأ بالأمر، إذ يكفي أن ينشر شخص أو جهة معينة خبراً مزيفاً على منصات التواصل الاجتماعي يتناول إحدى القضايا أو الشخصيات المثيرة للجدل، حتى ينتشر كالنار في الهشيم، ويُقبل كثيرون على تداوله دون البحث عن مصدره، فيتحول إلى موضوع ساخن (ترند) في فترة زمنية قصيرة يهتم به الجمهور ويتداولونه بالحديث فيه والتعليق عليه، ربما لأن الكذب يحمل من الإثارة أضعاف ما تحمله الحقيقة.
قد يكون لمشاركة خبر ما يعرف بتأثير “كرة الثلج“، أي إذا شارك شخص واحد مقالًا مع 10 من أصدقائه، وشاركه كل منهم مع 10 غيرهم، فقد يصل إلى أكثر من مئة شخص خلال بضع ثوانٍ فقط، وهو ما يجعل من الصعب للغاية استعادته أو تصحيح أي أخطاء فيه.
خاطئة أم مضللة؟
إلى جانب الحسابات المزيفة التي تنتحل صفة مواقع إخبارية أو شخصيات مرموقة، تنتشر أخبار مكتوبة أو صور معدّلة أو مقاطع صوتية أو مصورة مجتزأة أو قديمة يتم تقديمها على أنها حديثة أو من أماكن أخرى، بهدف تغيير الحقائق
– المعلومات الخاطئة (Misinformation): هي معلومات غير دقيقة يتداولها الناس بشكل عفوي دون أن يدركوا عدم صحتها أو قبل البحث عن مصدرها، مثل نشر الأخبار العاجلة قبل التحقق من صحتها، أو إرفاق صور قديمة بأحداث جديدة لا تمتّ لها بصلة.
– المعلومات المضللة (Disinformation): هي معلومات يتم فبركتها عن عمد بهدف تحريف الحقائق وإحداث ضرر كتشويه سمعة شخص أو مؤسسة ما، أو لتحقيق أهداف مادية أو سياسية لصالح جهات معينة، مثل “البروباغندا” (الدعاية التي تهدف إلى التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص)، والروايات المتحيّزة التي تصدر عن جهة فاعلة سياسية أو عسكرية تُنكر كذباً مسؤوليتها عن فعلٍ ما أو تتهم زوراً جهة فاعلة أخرى بالمسؤولية عنه.
فالفارق الأساس بين الأخبار الخاطئة والمضللة
يكمن في الهدف المقصود من نشرها وترويجها.
ميّزت منظمة التربية والعلوم والثقافة “يونسكو”، في دليل حمل عنوان: “الصحافة والأخبار الزائفة والتضليل” بين:
● المعلومات المضللة: المحاولات المتعمّدة المخطط لها بعناية في كثير من الأحيان لإرباك الأشخاص أو التلاعب بهم عبر تقديم معلومات كاذبة لهم، وغالباً ما يقترن ذلك باستراتيجيات اتصالات متوازية ومتقاطعة ومجموعة من التكتيكات الأخرى مثل القرصنة والمساس بسمعة الناس ومصالحهم.
● المعلومات الخاطئة: المعلومات الكاذبة التي يتم إنشاؤها أو نشرها دون وجود نوايا تلاعبية أو خبيثة.
★ وجد باحثون أن القصص والصور التي من المرجّح أن تنتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، هي تلك التي تثير مشاعر الشخص وتجعله يشعر بالاشمئزاز أو الخوف أو القلق أو الغضب.
★ ويشير خبراء إلى أن الأخبار الكاذبة تنتشر أسرع بست مرات من الأخبار الحقيقية بسبب أنها تخاطب المشاعر.
أمثلة عن المعلومات الخاطئة:
– تسونامي يضرب سوريا وتركيا:
عقب الزلزال المدمّر الذي ضرب مناطق في تركيا وسوريا بتاريخ 6 شباط/فبراير 2023، انتشر على منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو تحت عنوان “تسونامي صغير يضرب الساحل الشرقي لتركيا وشمال سوريا”، ادعى ناشروه أن التسونامي نجم عن الزلزال.
وصل عدد المشاهدات إلى ما يزيد عن 360 ألف مشاهدة، كما تناقلته العديد من الحسابات الإعلامية والشخصية
➢ عند البحث عن الفيديو عبر أداة “INVid” يتبيّن أنه ملتقط من سواحل مدينة سان دييغو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية بتاريخ 7 كانون الثاني/ يناير 2023 لعاصفة قوية ضربت المنطقة، وقد تداوله حينها عدد من الحسابات..
أمثلة عن المعلومات المضللة:
– السوريون في لبنان سبب انتشار السرطان:
نشرت قناة”MTV” اللبنانية، على موقعها الإلكتروني تقريراً خاصاً بعنوان “السرطان يجتاح لبنان… وسببان يساهمان بانتشاره”، ادّعت فيه أن تواجد النازحين السوريين تسبّب بارتفاع نسبة انتشار السرطان في لبنان بنسبة 5.6%.
ونقلت الصحيفة عن طبيب مختص قوله: إن سبب تفاقم انتشار السرطان يعود إلى: “التلوّث الناجم عن أزمة النفايات، والالتهابات المتزايدة بفعل تكاثر النازحين السوريين الذين يأتون ببكتيريا خطيرة بسبب الظروف السيئة التي عانوها”.
➢ جاء الخبر، الذي تم حذفه لاحقاً، في إطار حملات تشويه تضمنت ممارسات عنصرية ونشر أخبار مضللة ضد اللاجئين السوريين في لبنان، خدمة لمصالح سياسية.
– داعش في عفرين سبب لشنّ “غصن الزيتون”:
ادّعى البيان الذي أصدرته رئاسة الأركان العامة للجيش التركي حول انطلاق عملية عسكرية باسم “غصن الزيتون” في عفرين شمال غربي سوريا، أن هدف العملية هو القضاء على القوات الكردية وتنظيم “داعش”.
وجاء في البيان أن العملية تهدف إلى: “إرساء الأمن والاستقرار على حدودنا، وفي المنطقة، والقضاء على (الإرهابيين) المنتمين إلى كل من حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية وداعش في مدينة عفرين”.
كما ذكر بيان صادر عن وزارة الخارجية التركية أن: “حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية تُجبر العناصر المنتمين إلى تنظيم داعش الإرهابي على القتال ضمن صفوفها”.
تؤكد خرائط السيطرة الصادرة عن عدد من مراكز الأبحاث بالتزامن مع شنّ تركيا عمليتها العسكرية في عفرين عدم وجود أي أثر لعناصر تنظيم داعش في تلك المنطقة.
ولم يبقَ حينها في قبضة “داعش” إلا بلدة الباغوز بريف دير الزور الشرقي، لتعلن “قوات سوريا الديمقراطية” النصر التام على التنظيم في 23 آذار 2019 بعد سقوط آخر معاقله.
أسباب انتشار الأخبار الخاطئة والمضللة:
يكمن وراء نشر محتوى خاطئ أو مضلل ثلاث دوافع أساسية:
دافع سياسي: كالتأثير في سياق الانتخابات، وتشويه سمعة الخصم.
دافع مالي: فقد يلجأ البعض إلى نشر عناوين مثيرة ولافتة للنظر لا تتوافق مع المحتوى من أجل جذب المزيد من الزوار وجني المال.
دوافع نفسية واجتماعية: فقد يكون لدى البعض فضول بمعرفة ما قد يترتب على نشرهم معلومة مغلوطة، كأن يرى شخص إن كان قادراً على خداع الناس من خلال دفعهم للتظاهر في مكان ما عبر نشره دعوة في فيس بوك.
من يصدق الأخبار الكاذبة
وجد خبراء أن بعض مستخدمي الإنترنت قد يُقبلون على تصديق الأخبار الكاذبة أكثر من غيرهم، ويختلف ذلك تبعاً لعوامل اجتماعية ونفسية تُشكّل الأسباب وراء الوقوع في فخها
وهي:
التشوهات المعرفية:
يميل معظم الأشخاص إلى التحيز وفقاً لوجهات نظرهم وتصوراتهم المسبقة للعالم، فعندما يسمع شخص شيئاً يرغب في سماعه لأنه يتماشى مع آرائه سيصدقه بشكل أكبر.
المصلحة الشخصية:
إن الأشخاص الذين يتمتعون بسمات شخصية سلبية يفضلون مصلحتهم الشخصية على أي شيء، وبالتالي فإنه لا يهمهم ما إذا كانت المعلومة صحيحة أم لا بقدر ما إذا كانت تصب في صالح مصالحهم الشخصية وتخدم تبريراتهم.
سلوك القطيع:
عادة ما يميل الناس إلى اتباع آراء أو سلوكيات الآخرين بدلاً من تكوين آراء خاصة بهم، وهو ما يجعلهم يميلون إلى الوثوق في المنشورات التي تحظى بعدد كبير من الاعجابات والمشاركات، رغم أن معظم المستخدمين قد يقومون بالإعجاب أو إعادة النشر دون قراءة المنشور.
إثارة الاهتمام:
غالباً ما يستخدم الناس وسائل التواصل الاجتماعي من أجل جذب الانتباه والاعتراف بوجودهم وعادة ما تنال الأخبار المزيفة والتي قد تتضمن معلومات غريبة أو مضحكة الإعجاب، فيلجأ البعض إلى مشاركتها رغم شكوكهم في صحتها.