أخبار وتقارير
بعد 126عاماً على ولادتها.. هل ثمة قيود وتحديات تعترض مأسسة الصحافة الكردية؟
تحتفي الأوساط الإعلامية الكردية، بيوم الصحافة الكردية الموافق لـ 22 نيسان، في الذكرى السادسة والعشرين بعد المائة من إصدار أول صحيفة كردية (كردستان) والتي أسسها الأمير مقداد مدحت بدرخان في العاصمة المصرية القاهرة سنة 1898.
وأضحى تاريخ الصحافة الكردية مرتبطاً باسم الصحيفة الأولى التي أصدرت قبل 126 عام، وهذا التاريخ بحد ذاته، يُعتبر توافقاً نادراً، وإجماعاً يحصل في الوسط الكردي.
في سوريا بعد هذا التاريخ لم يستطع الكرد، القيام بتأسيس أرضية صحافية ظاهرة بسبب تزامن ذلك مع فقدان حقوق المسألة الكردية في سوريا قبل الانتداب الفرنسي وبعد الاستقلال السوري واستمر ذلك حتى الحرب\ الأزمة منذ آذار 2011 في سوريا، وكانت للسلطات السورية المتعاقبة دور كبير في تهميش الكرد، والتعامل بمبدأ سلطوي مع ما يتعلق بالقطاعات الإعلامية أو الثقافية أو السياسية لحقوق الكرد في سوريا.
منذ عام 2011 بعد الأزمة في سوريا، استطاع الكرد في شمال وشرق البلاد، خلق مساحة تتضمن نوعاً من الظهور الإعلامي دون خوف أو بطش من السلطة. وتنتشر في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية اليوم، العديد من وسائل الإعلام المحلية الكردية، والناطقة بالعربية، والدولية، ولعبت هذه الوسائل دوراً مهماً مثلًا في تغطية الحرب على تنظيم داعش، إضافةً إلى رصد واقع المنطقة بعد دحر التنظيم، وتسليط الضوء على الاحتياجات الأساسية للأهالي في هذه المناطق، إضافةً إلى مواكبة الأحداث السياسية، والعسكرية التي تشهدها المنطقة، ورصد الانتهاكات الحاصلة بحق الأهالي في المدن المحتلة من قبل تركيا والفصائل الموالية لها في مناطق عفرين وسري كانيه/رأس العين وكري سبي/تل أبيض.
في مقابل ذلك، لم تمتنع السلطات المحلية والقوى السياسية على تأسيس إعلام تابع لها وخاص بها، كما بقي الإعلام والصحافة تحت المجهر، فلا يمكن القول إن هناك حرية مطلقة لعمل الصحافة على مدار سوريا ككل.
وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبته هذه الوسائل الإعلامية، وهنا الحديث عن شمال وشرق سوريا، فإنها ما تزال تواجه تحديات وعقبات تواجه عملها على الأرض، ومن أهمها تلك التي تتعلق بمأسسة العمل الصحافي بحسب صحافيين وصحافيات من المنطقة.
تغطية إعلامية واقتصار إخباري وهيمنة حزبية
وتقول الصحفية “روبين عمر”، التي تعمل في منصة محلية في قامشلو/ القامشلي، لشبكة آسو الإخبارية، إنه خلال سنوات الأزمة السورية، كانت مناطق الإدارة الذاتية وجهة للإعلاميين، وخطفت أنظار العالم لسنوات جراء الحرب ضد تنظيم “داعش، وكان لوسائل الإعلام دور بارز في إظهار الوقائع التي جرت، إلا أن الواقع الإعلامي، منذ انتهاء الحرب على “داعش”، تراجع بشكل كبير على حد وصفها واقتصرت التغطيات الصحافية على الإخبارية فقط.
وتشير إلى أنه لدى الحديث عن الصحافة الكردية، ورغم التطور الملحوظ في الكادر والتقانة وتنوع أسماء وعناوين شبكاتها، إلا أنّ الكثير من الوسائل الإعلامية لاتزال تعاني من طغيان الطابع الحزبي، وهو ما يبعدها عن المهنية وقول الحقيقة.
فيما يرى الصحفي جانو شاكر، أن الصحافة الكردية أو الناطقة بالعربية تقتصر على الصحافة الإخبارية فقط، بينما تغيب الصحافة الاستقصائية وصحافة الرأي التي تتناول قضايا مجتمعية مهمة للمنطقة.
ويتفق مدير شبكة آسو الإخبارية “سردار ملا درويش”، مع الصحافي جانو شاكر عن غياب صحافة الرأي والاستقصاء كأنواع صحافية مرتبطة بتطوير وبناء المجتمعات، ومسألة الديمقراطية، في الوقت نفسه يتحدث عن وجود صحافة مجتمعية وهادفة لكن تقتصر على مؤسسات محدودة.
ويؤكد “ملا درويش” أن أحد العوائق الأخرى، فضلاً عن الظروف السياسية في المنطقة، يتمثل في مسألة تمويل دعم المشاريع الإعلامية في شمال وشرق سوريا على وجه التحديد، ويعتبرها غير متاحة بالشكل الذي تتطلبه المنطقة، فيقول: “ظهر سخاء الدعم الإعلامي في الأعوام الأولى من الحراك في سوريا، لكنه اقتصر بشكل كبير على منطقة محددة في سوريا وهي الخاضعة لسيطرة المعارضة، وبعدها بسنوات توقف التمويل عن الإعلام المستقل في سوريا وبقي محصوراً على مؤسسات محددة، لكن شمال وشرق سوريا لم تأخد حقها في ذلك”.
التبعية تضاد للمهنية والبناء
ويقول “جانو شاكر” إن كماً كبيراً من المؤسسات الإعلامية في المنطقة تابعة أو “محسوبة” على الإدارة الذاتية وهي تعتمد الترويج والدعاية الحزبية، فيما يتقلص تمويل المؤسسات المستقلة، وهذا يشكل تحدياً كبيراً للصحافة الكردية، بسبب عوامل موضوعية وخارجية أبرزها على سبيل المثال الحرب في أوكرانيا وغزة، بحسب قوله.
ويشير شاكر إلى أن الصحافة الكردية تتجه نحو أن تكون صوتاً للسلطة، التي لا ترى في وسائل الإعلام دعماً لها في تحسين واقع مؤسساتها وتصويب الأخطاء.
ويشدد الصحفي الذي يعمل حالياً في منظمة حقوقية، على غياب دور الصحافيين في توسيع هامش الحرية للصحافة المحلية، والقيام بدور رقابي على الملفات التي تمس حياة الناس.
وترى أن الحصول على المعلومة يحتاج جهداً كبيراً من المؤسسات المحلية في المنطقة، وللحصول عليها ينبغي أن يكون الإعلامي ضمن وسائل إعلام مقربة للإدارة الذاتية.
كما يرى صحفيون وصحفيات أن غياب الحالة المؤسساتية في الوسائل الإعلامية المحلية أبرز العقبات أمام عملهم، في ظل عدم التزام بعض المؤسسات بعقود العمل، أو العمل دون عقود رسمية.
صعوبة الحصول على المعلومة
بدورها تقول الإعلامية أولفا حاج منصور، وهي مراسلة لإذاعة محلية في الدرباسية، إن أبرز التحديات التي تواجه العمل الصحفي والصحفيين في شمال وشرق سوريا، هي صعوبة الحصول على المعلومة.
وترى أن الحصول على المعلومة يحتاج جهداً كبيراً من المؤسسات المحلية في المنطقة، وللحصول عليها ينبغي أن يكون الإعلامي ضمن وسائل إعلام مقربة للإدارة الذاتية.
ويقول “سردار ملا درويش” إن بين مسائل تطوير ودعم الصحافة للديمقراطية والتغيير هو سهولة الوصول للمعلومات والمصادر، وتبقى الصعوبة في ذلك بين تحديات تقدم الصحافة في أي مجتمع.
غياب المهنية المؤسساتية
كما يرى صحافيون وصحافيات أن غياب الحالة المؤسساتية في الوسائل الإعلامية المحلية أبرز العقبات أمام عملهم، في ظل عدم التزام بعض المؤسسات بعقود العمل، أو العمل دون عقود رسمية.
ولا يقتصر التقصير على الإدارة الذاتية فقط تجاه العمل الصحافي، لكن أيضًا هناك تقصير من قبل المؤسسات وأحيانًا من قبل الصحافيات والصحافيين ذاتهم، فمسألة تطوير الإعلام تحتاج جهوداً مشتركة وتوافقاً على أسس وأخلاقيات العمل الصحافي.
ويرى صحافيون أن انعدام المؤسساتية في العمل الصحافي قد يفتح الباب أمام بعض المؤسسات لانتهاك حقوق الصحافيين، مثل حالات التسريح التعسفية أو عدم دفع المستحقات المالية كاملة مستغلة غياب عقد العمل.
وقال مسؤول في مكتب الرصد والتوثيق في شبكة الصحفيين، لشبكة آسو الإخبارية، إن هناك انتهاكات جديدة بحق صحافيين وثقتها الشبكة منذ مطلع العام الحالي.
وفي يومي الأول والخامس من شهر نيسان/أبريل الجاري، أصدرت شبكة الصحفيين الكُرد السوريين، بيانين منفصلين عن اعتقال صحافيين كرديين في ريف قامشلو\ القامشلي.
وأعربت شبكة الصحفيين الكُرد السوريين عن قلقها من ازدياد حالات الاعتقال بحق الصحفيين أخيرًا\ مؤخراً، وأكدت على ضرورة توفير بيئة مناسبة للعمل الصحفي واتخاذ الإدارة الذاتية وأجهزتها الأمنية إجراءات تساهم في تعزيز الحق في حرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام وغيرها من حقوق الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام.
فيما أشار مسؤول دائرة الإعلام شمال شرقي سوريا، جوان ملا إبراهيم، إلى أنهم خلال عامي 2023 و2024 لم يسجلوا أي حالة اعتقال حتى الآن بحق صحافيين يعملون وفق تراخيص صادرة عن الدائرة.
وأجاب على مسألة الاعتقالات بالقول، “إن من تم اعتقالهم، اعتقلوا إما لأمور غير متعلقة بالعمل الصحافي أو أنهم لا يمتلكون تراخيص من دائرة الإعلام”.
ويتحتم على العاملين في الصحافة إما أفراد أو “فري لانسر” أو مؤسسات، أن يخضعوا لقانون الإعلام التابع للإدارة الذاتية، فأحد شروط العمل بالنسبة للمؤسسات هي الحصول على رخصة من الإدارة الذاتية، وهذا يشمل عمل الصحافيين “فري لانسر” أن يحصلوا على موافقات للعمل.
فيما بين أنهم وجهوا عدة تنبيهات لصحافيين ووسائل إعلامية بضرورة تجديد تراخيصهم، دون اتخاذ إجراءات قانونية بتوقيف عملهم، على حد قوله.
وقال مسؤول الإعلام شمال شرقي سوريا، لشبكة آسو الإخبارية، إن ما يزيد عن ألف صحفي وأكثر من 130 وسيلة إعلامية مرخصة في مناطق الإدارة الذاتية، مضيفاً أنهم بصدد إضافة تعديلات جديدة على قانون الإعلام، بعد تعديل العقد الاجتماعي.
وكشف عن بعض تلك التعديلات والإضافات في القانون منها ما يتعلق بعمل المنسق الإعلامي (الفيكسر) وشركات الإنتاج والصحفي “الفريلانسر” الذي يعمل لدى أكثر من وسيلة إعلامية، دون ايضاحها.
ويزاول الصحافيون والصحافيات في شمال وشرق سوريا مهنة الصحافة عبر مهمات صحافية من دائرة الإعلام وبطاقات عضوية من “اتحاد الإعلام الحر” الذي تأسس عام 2012 والمقرب من الإدارة الذاتية.
وتشترط دائرة الإعلام على الصحافيين الانتماء للاتحاد، مقابل الحصول على المهمة الصحافية، بذريعة أن اتحاد الإعلام الحر يعتبر نفسه بمثابة نقابة، وهذا ما يعتبره صحافيون أحد القيود ولم يكن وارداً في مسودة قانون الإعلام الذي تمت مصادقته عام 2021.
ويسعى صحافيون وصحافيات في شمال وشرق سوريا دومًا إلى أن يكون هناك دوراً كبيراً للإعلام واستقلالية في العمل المهني، حيث تصنف مناطق شمال وشرق سوريا، مقارنة بمناطق سيطرة النظام والمعارضة السورية المسلحة، الأكثر تنظيمًا وهامشًا لحرية العمل الصحافي.
وتشهد المنطقة صراعات وحساسية، ولا سيّما مسألة التهديد الدائم من قبل تركيا للمنطقة، خاصة وأن تركيا قامت باحتلال مدن تابعة لشمال وشرق سوريا مثل عفرين وتل أبيض وسري كانيه\ رأس العين، وكانت تركيا قد قامت بانتهاكات شملت الصحافيين في المناطق المحتلة، بينها قتل صحافيين والاستيلاء على أملاك صحافيين من المناطق المحتلة، بعد أن قامت بتهجيرهم منها.