مدونة آسو
قراءة في المجموعة القصصية “زفرات على أرصفة الخوف” للكاتب السوري ضياء إسكندر
أفين علو
بعد مجموعة قصصية بعنوان (نهود في شارع هنانو), صدر مؤخراً للكاتب السوري ضياء اسكندر مجموعة قصصية ثانية عن دار شلير للطباعة والنشر, تحمل عنوان (زفرات على أرصفة الخوف).
تضم المجموعة (24) قصة متفاوتة الحجم، وتحمل عناوين مثل: (الحب في زمن القهر, أمريكا عالباب, أين أختبئ يا ناس, بانتظار الفجر, حلاق القبو, محضر اجتماع, ممنوع الاقتراب والتصوير,…… الخ).
تحمل هذه المجموعة الكثير من البوح والمعاناة وصور من الحياة اليومية بتفاصيلها الدقيقة، وتسرد قصصاً وأحداثاً حقيقية عاشها الكاتب أو عاشها أشخاص قريبون منه ضمن جغرافية البلد, وهي تروي قصص معاناة من استبدادٍ وقمعٍ تعرض له من حاول البحث عن الحرية والحياة الكريمة.
القصص كتبت في أوقات مختلفة، ولكنها في زمن واحد الزمن الذي ساد فيه الاستبداد والقمع بحق كل من يقول لا للسلطة, ففي قصة “العين الزجاجية”، والتي تحاكي التعذيب والاستبداد في أوج جنونها، حيث يتعرض أحد المعتقلين لما يشبه الموت في كل لحظة، وهو الذي كان قد فقد إحدى عينيه في طفولته، وملأ مكانها بمجسم شبيه بالعين، وخلال حالة التعذيب يخرج المجسم من عينيه, الأمر الذي يولد الخوف لدى معذبيه بشكل لافت.
أما قصة “أعمى لثلاث دقائق” فهي مقتطف من رواية طويلة بعنوان (في قبضة الحليف) كما نوه القاص بذلك على شكل ملاحظة.
تُعد القصة القصيرة نافذة على عوالم كثيرة ومُتخيّلة، تُتيح للقارئ الغوص في أعماق المشاعر الإنسانية واستكشاف خفايا النفس البشرية, ومن هنا تأتي أهمية قصص (زفرات على أرصفة الخوف) للكاتب “ضياء اسكندر”، والتي تُعد رحلة إبداعية ساحرة لكنها مؤلمة وصعبة.
بين دفتي هذه المجموعة القصصية، ثمة صور ومشاهد تبحر بالقارئ عبر أمواج من الحكايات المُتقنة والأفكار المؤلمة شديدة الوطء على النفس البشرية, كما تتجلى في هذه المجموعة، قدرة الكاتب الفائقة على نسج القصص وحبكها ببراعة، من خلال تجربة حياتية مريرة.
يقول الكاتب في قصة “لكننا لم نلتقِ”:
(وفي إحدى الليالي, وقبيل بزوغ الفجر, حيث الجميع نيام, مد يده من بين القضبان في سقف الزنزانة يتوسط السقف فتحة للتهوية, على شكل نافذة مسلحه بالقضبان المتصالبة فوجد سيخ حديد على سطحها سحبه بسرعة وانهمك بخلع قفل الزنزانة بواسطه ذلك السيخ, وقد افاق السجانون على حركة السجين الفار! فالقوا القبض عليه فورا وعمت ارجاء القبو الصيحات المتوعدة، مختلطة بصراخ السجين وعويله وهم يوسعونه ضربا, وقاموا بتكبيل يديه إلى الخلف ورجليه مع بعضهما بسلسلة حديدية، بحيث لا يستطيع المشي إلا قفزًا, وفجأة يفتح باب زنزانتنا ويدفعوه إلى داخلها ويغلقون الباب بسرعة منصرفين. وقف السجين مشدوها لاهثًا ينظر الينا بخوف وهلع. كان مشعث الهيئة خاويًا من كل طاقة، مذهولًا بشكل كامل).
هذا الكتاب هو رحلة في عوالم الخوف بنسيج إبداعي ملفت، حيث يختلط الواقع بالحلم، رحلة تُثير تفكيرنا وتُحفز خيالنا كأنها سيمفونية من الأصوات التي تُهمس في الروح، بأسلوب سلس وأحداث مُشوقة رغم ألمها، فالكاتب قد أبدع في رسم شخصياته بدقة، مما يجعلها تبدو حقيقية وهي كذلك حقاً.
أحداث قصص المجموعة هي ذات عمق إنساني يُلامس مشاعرنا ويُثير تعاطفنا التام، فتنوع المواضيع والأفكار وبراعة السرد وجمال اللغة جعلت للقصص قيمة فكرية وإنسانية، فقد تميزت كل شخصية بخصائص وتجارب خاصة رغم قربها من بعضها في ساحة الخوف والهلع، هي تجسد واقع الاستبداد والقمع والاعتقالات وتسلّط الضوء على معاناة الذين يواجهون كل شيء صعب في ظروف قاسية جداً، بعد أن ينتهي القارئ من قراءة المجموعة، ربما يتحسس جسده أو مشاعره، يتحسس الألم العميق والمختبئ منذ سنوات من الكبت والحرمان والموت البطيء على امتداد جغرافية الظلم والحرية.