Connect with us

مدونة آسو

صالة الإنترنت: غرفة الرعب تحت حكم داعش

نشر

قبل

-
حجم الخط:

قصص من سلسلة عائدون من الموت التي تجمعها شبكة آسو الإخبارية، وتظهر مأساة مدنيين عانوا الألم في فترة حكم داعش، روايات وقصص واقعية تعبر عن حجم الإرهاب والتطرف في التأثير على بنية المجتمع..

“عائدون من الموت”
سلسلة شهادات من قلب المأساة… مدنيون عادوا من الموت في ظل حكم داعش في شمال وشرق سوريا، سلسلة تقارير خاصة من انتاج شبكة آسو الإخبارية، تنشرها لأول مرة تباعًا، تسلط الضوء على الانتهاكات الفظيعة التي شهدتها مدينة الطبقة خلال فترة سيطرة تنظيم داعش.

قصص مروعة من شهود عيان عايشوا كابوس التنظيم الإرهابي، حيث تعرض الأهالي لأقسى أنواع العذاب الجسدي والنفسي؛ من عقوبات مهينة تهدر الكرامة الإنسانية، إلى سجون مظلمة لا يخرج منها سوى القليل أحياء، وانتهاءً بتدمير المدارس وتحويلها إلى مصانع للموت.

نشارككم هذه الشهادات الحية لإبراز حجم المعاناة والألم، ولتقديم صورة حقيقية لما جرى في تلك الفترة السوداء.

جميع الحقوق محفوظة لشبكة آسو الإخبارية
شمال شرق سوريا 2024

من الطبقة بقلم حسان الأحمد

كانت من أكبر المضايقات التي تعرض لها الأهالي في مناطق سيطرة داعش في سوريا هي عزلها الكامل عن العالم الخارجي. فقد قطع التنظيم كافة أشكال الاتصال والإنترنت في محاولة للتكتم على المجازر والانتهاكات التي ارتكبها بحق الأهالي في تلك المناطق.

وحصر التنظيم الإنترنت وشبكة الـ “واي فاي” في نطاق ضيق، دون أجهزة إرسال تتعدى حدود صالة الإنترنت، التي حصلت على ترخيص من قبل عناصر الأمن، ليتمكنوا من مراقبتها بشكل صارم. كانت هذه الصالات أشبه بغرف رعب داخل المدينة أو القرية، حيث كان مجرد الحديث أو التواصل مع العالم الخارجي في مناطق سيطرة التنظيم، محفوفاً بالمخاطر، وقد يؤدي بالشخص إلى سجون داعش، وأحياناً إلى الإعدام بتهمة العمالة.

يؤكد عبد الله الحجي (اسم مستعار)، وهو من أهالي الطبقة، وقد عاش أيام سيطرة داعش، أن صالة الإنترنت كانت أشبه كمن يدخل إلى مكان قد لا يخرج منه، بسبب كثرة المداهمات التي كان يقوم بها ما يسمى بـ “الأمنيين”. لم تكن تهمة العمالة تحتاج إلى أكثر من رسالة واتساب أو صورة وصلت عن طريق الخطأ، ليتم اتهام الشخص بالتواصل مع جهات خارجية. لذلك، امتنع عبد الله وكثيرون غيره عن الذهاب إلى تلك الصالات المرعبة، بسبب قطع كافة أشكال الاتصال، سواء الخلوي أو الأرضي، عن المدينة.

صالة الرعب
يصف عبد الله صالة الإنترنت بأنها كانت عبارة عن غرفة صغيرة تتسع لشخص واحد فقط، تحتوي على كرسي وحيد، ويغطيها من الأمام ستار يسهل على عناصر الأمن الإمساك بالهاتف المحمول من يد الشخص فجأة. “كانوا يقومون بتفتيش الموبايلات دون أي مراعاة للخصوصية، فيدخلون مباشرة إلى برامج الدردشة لمعرفة الأشخاص الذين يتواصل معهم صاحب الهاتف، ثم ينتقلون إلى معرض الصور. وكثير من الناس أُعدموا بسبب ما وجد في موبايلاتهم”. والكلام لعبد الله الحجي.

كان تنظيم داعش يبرر هذه الإجراءات التعسفية بعدم السماح باختراق المنطقة وانتشار الجواسيس، في حين كان عناصره في مقارهم يتمتعون باتصال إنترنت مفتوح بشكل دائم. ورغم كل هذه التدابير، كان التنظيم مخترقاً من داخل التنظيم بشكل أكبر من قبل السكان الأصليين، ولم يمنع ذلك من تنفيذ عمليات أمنية واستخباراتية ضده في مناطق سيطرته سواء في العراق أو سوريا، رغم قبضته الأمنية الشديدة.

كان التنظيم يترك المساحة الكافية للقادة وعناصره باستخدام الانترنت، فيما يمنعه عن الناس، لكن هذا لم يكن يحصن التنظيم من الاختراق، فكثير من عناصره كانوا مصدر اختراق للتنظيم.

العزل بالتحكم بالاتصالات
لم تكن الوسائل التقليدية للاتصال متوفرة، فكانت مناطق سيطرة التنظيم معزولة كلياً عن العالم الخارجي. عمد التنظيم إلى تفكيك وسرقة أبراج شركات الاتصالات مثل “سيريتل” و”إم تي إن” بشكل كامل، كما أوقف شبكة الاتصال الأرضية، وأبقى على الاتصالات الداخلية فقط ضمن مناطقهم من خلال تعطيل ميزة الاتصال الخارجي.

ذكر موظف سابق في بريد الطبقة، لشبكة آسو الإخبارية، أن تنظيم داعش قام بفصل الاتصال الخارجي والداخلي ضمن القطر من المقسم الرئيسي في بريد الهاتف الأرضي في مدينة الطبقة، والكائن في قبو بناء تعرض للتدمير الكامل نتيجة استخدامه من قبل التنظيم كغرفة عمليات قبل تحرير المنطقة.

تقول أم أحمد، وهي أيضاً من أهالي الطبقة، إن الاتصال مع أبنائها المسافرين في لبنان كان مقطوعاً كلياً خلال فترة سيطرة داعش، بسبب إيقاف كافة أشكال الاتصال. كانت أخبار أبنائها تصلها عن طريق بعض أقاربها الذين كانوا يذهبون إلى صالة الإنترنت.

تصف أم أحمد تلك الأيام بأنها كانت مليئة بالحزن بسبب بُعد أبنائها وفقدان الاتصال معهم، مما جعلها في خوف دائم عليهم. وبالمثل، كان أبناؤها يعتقدون أنهم لن يتمكنوا من التواصل مع أمهم وعوائلهم ما دام تنظيم داعش يسيطر على المنطقة، ويقطع كافة أشكال الاتصال والتواصل معهم. لذا، كانت الأم تكتفي بالبكاء والدعاء بأن يحميهم الله.

ساهم التنطيم بعزل المجتمعات التي يسيطر عليها عن العالم الخارجي، بإيجاد قلق كبير بين السكان الخاضعين لسيطرته لمعرفة أخبار أقاربهم، وعدم معرفة الأقارب بالخارج بأخبار أهلهم، وكان هذا جزء من فكر التنظيم الذي يضيق الخناق على الأهالي، ويحاول عزل العالم الخارجي عن واقعه خشية من تسريب الانتهاكات والظروف الصعبة التي كان يمر بها المجتمع.