Connect with us

أعمال

“دار سينما في عامودا”: مشروع يحي ذكرى ورمزية حريق سينما عامودا

نشر

قبل

-
حجم الخط:

إعداد وتحرير: سردار ملادرويش وبرور ميدي
شبكة آسو الإخبارية

انتشر مؤخراً خبر عن مشروع بناء “دار سينما” في مدينة عامودا، وأثار هذا الإعلان جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي. حيث تباينت الآراء بين مؤيد ومعارض، وكان التساؤل الأبرز بين المتابعين: “كيف يتم بناء دار سينما في وقت يعاني فيه السكان من نقص في الماء والكهرباء؟”. هذه التساؤلات تعكس بطبيعة الحال واقع الحياة الصعبة التي تعيشها سوريا منذ عام 2011، حيث تُعطى الأولوية للخدمات الأساسية والتحسينات المعيشية على حساب المشاريع الثقافية والترفيهية.

ورغم هذه الانتقادات، يؤكد المهتمون بالشأن الثقافي والسينمائي على ضرورة تقديم مثل هذه المشاريع للمجتمع، معتبرين أن الثقافة والسينما تلعبان دوراً هامًا في مواجهة آثار الحرب. ويرون أن بناء دار سينما، يعبر عن الجهة الأخرى للحرب المستمرة، حيث يساهم في بناء المعرفة وتعزيز الأمل.

إلى جانب ذلك، فإنّ هذا المشروع يعتبر مشروعاً خدمياً أيضاً، وهو سيؤمن من المفترض في حال الانتهاء منه، فرص عمل لشريحة من الأهالي، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة للمنطقة، إضافة إلى أنه سيعزز من الوعي المجتمعي، ويساهم في توسيع الأفق المعرفي للناس، ويعرّفهم على تفاصيل وتجارب حياة مختلف شعوب العالم على مرّ السنين.

فكرة المشروع
أعلنت الإدارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة، يوم الأربعاء 4 أيلول 2024، عن إطلاق مشروع “دار سينما” في مدينة عامودا. وبحسب مصدر في بلدية الشعب في عامودا، فإن مساحة المشروع تبلغ 1162 مترًا مربعًا (1.162 دونم)، ومن المتوقع أن تستغرق المرحلة الأولى من التنفيذ حوالي ستة أشهر. وأوضحت “دورين دقوري”، مراقبة فنية في بلدية الشعب بعامودا، أن المشروع ممول بالكامل من جهات أوروبية، بتكلفة تقدر بـ 346 ألف دولار أمريكي.

مكان بناء مشروع “دار سينما” في مدينة عامودا

من جانبه، أفاد (نعمان يكيت- Numan Yigit) وهو عضو في مركز “كومين فلم روج آفا” أن فكرة المشروع بدأت بجهود أوروبية منذ عدة سنوات، وأن التمويل جاء بالكامل من تبرعات خارجية، مما يجعل الإدارة الذاتية شريكة في التنفيذ دون أن تكون مسؤولة عن الميزانية.
وعلى الرغم من أنّ الإدارة الذاتية وبلدية الشعب في عامودا، لم يكشفوا تفاصيل أكثر تتعلق بالمشروع، لكن بالعودة إلى تقرير نُشر في صحيفة “Frankfurter Rundschau” الألمانية في 8 كانون الثاني/يناير 2019، بعنوان “سينما لشمال سوريا”، نجد أنّ جمعية “فرانكفورت” الألمانية دعمت فكرة بناء مركز ثقافي في مدينة عامودا ضمن مقاطعة شمال وشرق سوريا بهدف “التغلب على الصدمات”. ويعود المشروع إلى رمزية “سينما عامودا”، التي احترقت في عام 1960 وأودت بحياة حوالي 300 طفل. منذ ذلك الحين، تحولت ذكرى الحريق إلى حدث رمزي يتم إحياؤه كل عام.

أهمية السينما في زمن الحرب
في التقرير نفسه، يقول الطبيب والمهتم بالسينما نيلس فون هنتيج: “عندما يشتاق الناس إلى الثقافة أثناء الحرب، فإن ذلك يعبر عن موقف تجاه الحياة، أو الاتصال ببقية العالم، أو ببساطة: الأمل”.

ويعزز (نعمان يكيت- Numan Yigit) عضو كومين فلم روج آفا (Komîna Fîlm A RojAva) فكرة الدكتور “نيلس”، بالقول إن الحياة لا تتوقف في الحرب، مؤكدًا أن فكرة بناء دور سينما هي فكرة بدأت مع تأسيس كومين فلم روج آفا، بأن يكون هناك دور سينما لمشاهدة الأفلام الكردية باللغة الكردية، والاطلاع على السينما العالمية بهدف المعرفة.

أعمال بناء مشروع “دار سينما” في مدينة عامودا

ويعتبر أن الثقافة والفنون هي جزء من النضال لكل شعب، واصفًا أن “نشر الثقافة والفنون هي احتياجات أساسية للمستقبل”.
وتحدث (نعمان يكيت- Numan Yigit)، لشبكة آسو الإخبارية، عن ردة الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي تجاه المشروع، بأن المجتمع لديه احتياجات أخرى، وهو يتفق مع رؤية المجتمع بضرورة أن يتم تأمين الاحتياجات، لكن هنا يحاول أن يؤكد أن كل تلك الأمور من الممكن معالجتها ولا يبقى لها أثر، في حين أنّ فكرة بناء الثقافة والفنون هي فكرة مستدامة في خدمة المجتمع.

اختيار عامودا
يقول (نعمان يكيت- Numan Yigit) العضو في كومين فلم روج آفا، لشبكة آسو الإخبارية، إن اختيار عامودا لبناء فكرة “دار سينما” يرتبط برمزية حادثة سينما عامودا الذي احترق في عام 1960.

“ففي يوم 13 تشرين الثاني\ نوفمبر لعام 1960 تعرضت سينما عامودا لحريق أسفر عن فقدان نحو 300 طفل لحياتهم، وتحول الحريق لمسألة سياسية، واتهام الحكومة السورية آنذاك بافتعال الحريق في السينما، خاصة أن الأطفال كانوا يحضرون فلم يذهب ريعه للثورة الجزائرية.”

ويرى “فون هنتيج” في التقرير العائد للصحيفة الألمانية، إن حريق سينما عامودا ترك صدمة عميقة لدى الأهالي في عامودا، وأن الهدف من بناء السينما هو التعامل مع هذه الصدمة، وتحدث أن السينما يجب أن تحتوي على غرفة تذكارية.

في حديث هنتيج للصحيفة الألمانية، يؤكد أن المشروع هو بناء مركز ثقافي يضم دار سينما، ويقول: “باعتبار المشروع مركز ثقافي لا ينبغي أن يحتوي على سينما تتسع نحو 250 مقعدًا فحسب، بل يجب أن يوفر مساحات لأحداث أخرى” وهنا ربما يشير لغرفة تذكارية عن رمزية حريق سينما عامودا.

أعمال بناء مشروع “دار سينما” في مدينة عامودا

وبحسب عضو كومين فلم روج آفا، فإن دورهم في السينما لا يجب أن يقتصر على إعداد أفلام فقط، بل يجب أن يكون هناك أماكن لعرض هذه الأفلام بلغة أهالي المنطقة، ويقول لشبكة آسو الإخبارية: “في أجزاء كردستان، ربما تذهب عائلة كردية لحضور فلم باللغة العربية أو التركية أو الفارسية، “هناك نتحدث عن مشاهدة فلم باللغة الكردية، في دار سينما في منطقة كردية”.

القائمون على المشروع والدوافع
ترجع فكرة المشروع إلى عام 2015، حينما اقترحها الطبيب الألماني “فون هنتيج” بالتعاون مع “كومين فلم روج آفا”. وعلى الرغم من أن المشروع كان من المفترض أن يرى النور في 2018 بحسب التقرير المنشور في الصحيفة الألمانية، إلا أن جمع التمويل اللازم تأخر حتى عام 2024. حيث اتفق كومين فلم روج آفا مع بلدية الشعب في عامودا للقيام بالمشروع.

وأوضح “فون هنتيج” وهو أحد الداعمين الألمان للمشروع، أن شمال وشرق سوريا هي المنطقة الوحيدة التي يمكن فيها عرض أفلام غير خاضعة للرقابة، وذلك بحسب ما ذكره في صحيفة “فرانكفورتر رونشاو”.

ردود الفعل المجتمعية على وسائل التواصل الاجتماعي
لم تخلُ ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي من الانتقادات، حيث ركزت معظم الآراء على أن الظروف المعيشية الصعبة تجعل الأولوية لتوفير الاحتياجات الأساسية. واعتبر البعض أن بناء دار سينما في هذا التوقيت غير مناسب.

وأشار الناشط الثقافي عباس موسى، المتخصص في السينما والترجمة، إلى أن ربط احتياجات المجتمع الخدمية بإنشاء دار سينما غير منطقي، وأن السينما تعد جزءاً أساسياً من الحياة الثقافية، حتى في ظل الأزمات، مؤكداً على أهمية السينما كأحد الفنون الأساسية مثل الأدب والفنون الأخرى.

أعمال بناء مشروع “دار سينما” في مدينة عامودا

ويرجح “موسى” أن يكون سبب الاستهجان المجتمعي من فكرة المشروع، هو التوقيت الذي أعلن فيه عن المشروع، ولا يعتبره توقيتاً مناسباً في ظل استياء الأهالي من الواقع المعيشي المتردي والغلاء المنتشر في شمال وشرق سوريا، ولا سيما أنه تزامن مع قرارات تتعلق بارتفاع أجور اشتراكات الكهرباء الخاصة.

وأضاف عباس موسى، أن المجتمع يحق له الحصول على معلومات دقيقة وشفافة حول تكلفة المشروع، ومصادر تمويله، مشيراً إلى أن الغموض المحيط بهذه الجوانب يزيد من استياء الناس.

يبقى القول إن الصورة الواضحة للمشروع والهدف منه، تحتاج في الواقع الانتهاء من المشروع ومن ثم الحكم عليه، والنظر فيما إذا تم تحقيق الأهداف التي بني على أساسها المشروع، فبين الانتقادات كان هناك حديث وتساؤل” هل سيتم اكمال المشروع بالفعل!”، وهذا يعود لجذر تخوف المجتمع ألا يرى المشروع النور، وحصل هذا مع مشاريع عديدة تم طرحها ولم ترَ النور!

بدء انشاء دار سينما في عامودا