مدونة آسو
معاناة لا تنتهي: أهالي المفقودين لدى داعش يواصلون البحث عن أبنائهم
قصص من سلسلة عائدون من الموت التي تجمعها شبكة آسو الإخبارية، وتظهر مأساة مدنيين عانوا الألم في فترة حكم داعش، روايات وقصص واقعية تعبر عن حجم الإرهاب والتطرف في التأثير على بنية المجتمع..
“عائدون من الموت”
سلسلة شهادات من قلب المأساة… مدنيون عادوا من الموت في ظل حكم داعش في شمال وشرق سوريا، سلسلة تقارير خاصة من انتاج شبكة آسو الإخبارية، تنشرها لأول مرة تباعًا، تسلط الضوء على الانتهاكات الفظيعة التي شهدتها مدينة الطبقة خلال فترة سيطرة تنظيم داعش.
قصص مروعة من شهود عيان عايشوا كابوس التنظيم الإرهابي، حيث تعرض الأهالي لأقسى أنواع العذاب الجسدي والنفسي؛ من عقوبات مهينة تهدر الكرامة الإنسانية، إلى سجون مظلمة لا يخرج منها سوى القليل أحياء، وانتهاءً بتدمير المدارس وتحويلها إلى مصانع للموت.
نشارككم هذه الشهادات الحية لإبراز حجم المعاناة والألم، ولتقديم صورة حقيقية لما جرى في تلك الفترة السوداء.
جميع الحقوق محفوظة لشبكة آسو الإخبارية
شمال شرق سوريا 2024
من الطبقة بقلم حسان الأحمد
يعتبر ملف المفقودين لدى تنظيم داعش من الملفات التي لا تزال مفتوحة لدى أهالي الضحايا الذين يبحثون عن مصير أبنائهم المجهول، وذلك بعد هزيمة التنظيم في المنطقة منذ أكثر من سبع سنوات، على يد قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي لمحاربة داعش.
لا يزال مصير العديد من الأشخاص مجهولاً، نظراً للتكتم شديد من قبل عناصر التنظيم حول أماكن احتجازهم أو مصيرهم. ورغم مرور السنوات، يبقى الأمل حيّاً لدى بعض الأسر التي تؤمن بأن أبناءها ما زالوا على قيد الحياة، بينما فقد البعض الآخر الأمل بعد هزيمة التنظيم، ويبحثون عن أي إجابة تُريحهم من عذاب الانتظار، حتى وإن كانت تلك الإجابة سلبية.
عدد كبير من الأهالي لا يعرفون مصير أبنائهم، إن كانوا على قيد الحياة، أو تم قتلهم، لذا عدم معرفة مصير المفقودين يترك الأهالي بانتظار بارقة أمل، طالما أنهم لا يعرفون مصير أبنائهم، وقد شكلت مجموعة خارج سوريا مؤسسة مهتمة بالمفقودين على يد تنظيم داعش، ويحاول الأهالي خلالها التكاتف لمعرفة مصير أبنائهم دون جدوى حتى الأن بحل هذا الملف.
قصص مفقودين
تقول هدى يوسف (اسم مستعار)، وهي مواطنة من ريف الطبقة، إن شقيقها البالغ من العمر 22 عاماً فُقد خلال رحلته من دمشق، حيث كان يدرس الفلسفة في الجامعة. وتوضح أن شقيقها أُنزل من الحافلة في عام 2015 عند حاجز الرصافة جنوب مدينة المنصورة في ريف الطبقة الجنوبي الشرقي، بناءً على ما وصلهم من معلومات من بعض الركاب الذين كانوا معه.
وتضيف هدى أن الاتصال انقطع تماماً مع شقيقها، ولم يصلهم أي خبر عن اعتقاله سوى من صديق له من مدينة الرقة، أخبرهم أنه تم اعتقاله أثناء الطريق دون معرفة التهمة، وتم نقله إلى الرقة. ومنذ ذلك الوقت، بدأت رحلة البحث عنه بين أروقة تنظيم داعش، من “الحسبة” إلى الشرطة والمحاكم، دون جدوى في العثور على اسمه.
وكان التنظيم يصنف سفر الناس من مناطقه لمناطق أخرى تحت سيطرة الحكومة السورية أو قوات سوريا الديمقراطية، بالتهمة أو العمالة، كما كان يصنف من يدرس في الجامعات السورية بالتهمة بالدراسة في جامعات الحكومة السورية، فكثير من القصص والروايات الواقعية تشهد قيام التنظيم باعتقال وقتل نساء ورجال بتهمة الذهاب لمناطق الحكومة السورية او مناطق الإدارة الذاتية، أو الدراسة في تلك المناطق.
تروي هدى أنهم علموا من أحد عناصر التنظيم المحليين أن شقيقها محتجز في سجن المحافظة بالرقة، بتهمة أنه عسكري لدى الحكومة السورية. إلا أن محاولاتهم للاستفسار من مسؤولي الأمن في التنظيم كانت بلا جدوى، حيث أخبروهم بعدم وجود اسمه لديهم، أو أنه قد نُقل مع مجموعة من السجناء إلى دير الزور أو إلى سجن سري في بادية دير الزور قرب جبل البشري.
أما تهمة عنصر في الجيش السوري او مقاتل في صفوف قوات سوريا الديمقراطية او فصائل مسلحة أخرى كانت كافية ليعلن التنظيم القصاص بحق الشخص.
تشير هدى إلى أن هناك من أخبرهم، بعد عام من اعتقاله، بوجوده في سجن بمدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي. إلا أن البحث هناك أيضاً لم يسفر عن العثور على اسمه بين السجناء. وبعد تحرير الطبقة والرقة، وصلتهم معلومات تفيد بأنه تم إعدامه في مدينة الشدادي بريف الحسكة، بينما تفيد معلومات أخرى بنقله مع المعتقلين إلى بلدة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي، آخر معاقل داعش.
الأمل في مصير المفقودين.
رغم كل هذه الأخبار المتضاربة، تؤكد هدى أن مصير شقيقها لا يزال مجهولًا، ولكن عائلتها لم تفقد الأمل في العثور عليه حيّاً، نظراً لعدم وجود قبر يؤكد وفاته. وتعتقد أن شقيقها ربما قد ذُبح على يد التنظيم، إلا أن أمل العثور عليه لا يزال قائماً بعد هذه السنوات الطويلة.
وتناشد هدى عبر شبكة آسو الإخبارية المنظمات الدولية العاملة في مجال تقصي الحقائق ووسائل الإعلام المحلية والدولية، لفتح ملف المفقودين لدى داعش على أوسع نطاق، سعياً لإيجاد حلول أو معرفة مصير هؤلاء المفقودين الذين يُقدّر عددهم بالمئات، حيث يعيش أهاليهم بين الأمل والانتظار.
في السياق نفسه، تروي أم محمد أن ابنها فُقد في أواخر عام 2014 على يد تنظيم داعش عند أحد حواجزهم في مسكنة بريف حلب الشرقي، بعد قدومه بسيارته من مدينة الباب. ورغم أنها لم تترك وسيلة إلا وجربتها للبحث عنه في زمن سيطرة التنظيم، إلا أنها لم تجد له أي أثر.
تقول أم محمد إنها سمعت عشرات الروايات عن مصير ابنها، مما يجعلها في حيرة من أمرها؛ فبين من يقول إنه أُعدم، وآخرون يدعون أنه انضم إلى التنظيم، وثالث يزعم أنه هرب من سجون داعش إلى تركيا. ورغم كل هذه القصص، ما زالت تنتظر خبراً عنه.
تطالب أم محمد بفتح هذا الملف وتنظيم المؤتمرات وتشكيل لجان لتقصي الحقائق، لتخفيف معاناة الأمهات والعائلات وإنهاء عذاب الانتظار بمعرفة مصير أبنائهم، مشيرة إلى أنها والعشرات من الأمهات ما زلن يعشن على أمل اللقاء بأبنائهن يوماً ما.
لا زالت العوائل التي فقدت أبنائها لدى التنظيم، ولا تعرف مصيرهم، على أمل أن يكون هناك انصاف في البحث عن أبنائهم، ويطالبون أن لا تبقى مصائرهم مجهولة، لأن ذلك يترك الأسر دوم معرفة مصير أبنائها في امل وقلق وحسرة دائمة.