أخبار وتقارير
“الآن بات لأولادي مستقبل”: السوريون يجرؤون على الحلم مجدداً بعد سنوات من العزلة الدولية

ويليام كريستوف من دمشق
في عام 2006، كان أحمد الشرع يجلس في سجن أمريكي بالعراق، مقاتلاً في تنظيم القاعدة يخوض “الجهاد” ضد ما كان يراه احتلالاً أمريكياً للشرق الأوسط. بعد ما يقرب من عقدين، التُقطت له صورة يوم الأربعاء مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض بعد مناقشة تطبيع العلاقات مع إسرائيل ومنح الولايات المتحدة حق الوصول إلى النفط السوري.
تحوّل الشرع خلال العشرين عاماً الماضية من مقاتل في القاعدة إلى رئيس لسوريا، يقف على المسرح العالمي مع قادة مثل ترامب، كان مذهلاً. وبالنسبة للسوريين، فإن وتيرة التغيير كانت مذهلة لدرجة تصيب بالدوار.
فخلال ستة أشهر فقط منذ سقوط الرئيس السابق بشار الأسد، تحوّلت سوريا من دولة منبوذة عالمياً تخضع لأشد أنظمة العقوبات في العالم، إلى بلدٍ واعد. يوم الثلاثاء، أعلن ترامب أنه سينهي جميع العقوبات الأمريكية على سوريا، وهي خطوة قال إنها “تمنحهم فرصة للعظمة”.
في سوريا، بدأت بلدٌ أنهكها الحرب أخيراً ترى بصيص أمل في نهاية النفق. كانت العيون مشدودة إلى شاشات التلفزيون التي أعادت بث لقاء الشرع بترامب، وتدور نقاشات حماسية حول رفع العقوبات في المقاهي والشوارع.
قال رجل مسن لرفيقه بحذر: “يجب أن تنتظر قليلاً، هناك خطوات يجب أن يتخذها الخبراء”، بينما كانا يكافحان لصعود شوارع دمشق القديمة الضيقة على دراجات مهترئة – مشهد شائع في مدينة أصبحت السيارات والوقود فيها من الكماليات الباهظة لغالبية السكان.
فاجأ إعلان ترامب المفاجئ حتى أكثر السوريين تفاؤلاً. فقد كانت وزارة الخارجية الأمريكية منخرطة منذ أشهر في دبلوماسية مع الحكومة الجديدة، تفاوضت خلالها على مجموعة شروط مقابل تخفيف العقوبات.
لكن بأسلوبه المعروف، تجاهل ترامب الشروط لصالح إعلان جريء بأن “جميع العقوبات” ستُرفع. صورة مصافحته للشرع رسخت ما كان يبدو مستحيلاً قبل أيام فقط: سوريا تطوي صفحة من تاريخها.
ومع ذلك، شدد خبراء على أن رفع العقوبات مسألة معقدة، وأن الشعب السوري لن يشعر بتأثيرها فوراً.
قال سنان حتاحت، نائب رئيس منتدى سوريا للاستثمار والتأثير الاجتماعي: “التأثير الفوري إيجابي. كثير من المستثمرين الإقليميين الذين كانوا يراقبون الاقتصاد السوري سيشعرون بالتشجيع على الدخول. لكن المستثمرين الكبار سيحتاجون إلى وقت أطول”.
قدّر حتاحت أن يستغرق الأمر من ستة أشهر إلى سنة حتى يبدأ السوريون في الشعور بتحسن في مستوى المعيشة.
خضعت سوريا لشكل من أشكال العقوبات الأمريكية منذ عام 1979، لكن بعد قمع الأسد العنيف للاحتجاجات السلمية عام 2011، فرضت واشنطن حظراً اقتصادياً شبه كامل على البلاد.
بدأ هذا مع إدارة أوباما، حيث بنت الولايات المتحدة شبكة متعددة المستويات من العقوبات باستخدام أوامر تنفيذية وتشريعات من الكونغرس. من بين أشد العقوبات قانون “قيصر” لعام 2019، الذي جدد في ديسمبر الماضي، وفرض عقوبات على الحكومة السورية وأي جهة تتعامل معها.
يمكن لترامب إلغاء العقوبات التي فُرضت بأوامر تنفيذية، لكن يتطلب الأمر تصويتاً في الكونغرس لإلغاء قانون قيصر، المقرر أن ينتهي في 2029. وهنا قد تواجه الأمور عقبة. لا تزال هناك شكوك كبيرة تجاه الشرع في واشنطن – الرجل الذي كان على رأس المطلوبين بمكافأة قدرها 10 ملايين دولار حتى ديسمبر الماضي.
حتى بعض أعضاء إدارة ترامب، خاصة من الجناح الإنجيلي، يبدون قلقاً تجاه الحكومة الإسلامية في دمشق.
وقد ازدادت هذه المخاوف بعد هجوم شنته قوات موالية للأسد في مارس، أعقبه موجة من عمليات القتل الانتقامية أسفرت عن مقتل نحو 900 مدني، معظمهم من الطائفة العلوية على الساحل السوري. وقالت منظمات حقوقية إن مقاتلين موالين للحكومة مسؤولون عن كثير من تلك الجرائم.
ومع ذلك، فإن صورة ترامب واقفاً بجانب الشرع شكلت علامة فارقة للحكومة السورية الجديدة، التي ترى في الاجتماع مع الرئيس الأمريكي بوابة للاعتراف الدولي. استمر اللقاء 37 دقيقة، وكان ثمرة شهور من الوساطة التي قادتها قطر والسعودية وتركيا، والتي باتت دعائم أساسية للحكومة الناشئة في دمشق.
جاءت هذه الإشارة الأمريكية على الرغم من الرفض الإسرائيلي القوي للشرع وحكومته. فقد رفضت إسرائيل السماح للجيش السوري بالانتشار في جنوب سوريا، وواصلت تنفيذ مئات الغارات الجوية على الأراضي السورية منذ سقوط الأسد في ديسمبر. أما الشرع، فقد أعلن أنه لا يرغب في صراع مع إسرائيل.
قال جيمس جيفري، مبعوث سوريا في إدارة ترامب الأولى: “أعتقد أن ترامب كان يشكك في السياسة الإسرائيلية القائمة على تجميد الشرع وإبقاء سوريا ضعيفة ومقسمة، وهي السياسة التي كانت إسرائيل تروج لها في واشنطن”.
وأشار جيفري إلى غياب الغارات الجوية الإسرائيلية خلال الأيام العشرة الأخيرة كدليل على أن حتى داخل المؤسسة الإسرائيلية بدأت تظهر تساؤلات بشأن النهج العدائي تجاه سوريا.
هذا الانفراج الظاهري، حتى وإن كان مؤقتاً، ساهم في تغذية تفاؤل حذر ومتزايد داخل سوريا، حيث بدأ العزلة الاقتصادية والدولية للبلاد التي استمرت نحو 14 عاماً تقترب من نهايتها.
قال ماهر نحاس، صائغ يبلغ من العمر 42 عاماً وأب لطفلين يقيم في دمشق: “أخيراً، نحن نخطو خطوة إلى الأمام. الآن بات لأولادي مستقبل، وربما يكون لديهم فرصة للنجاح”.
للقراءة من المصدر
