مواطن وعدالة
قصة من الظلام الأسود لداعش
آسو- عبير محمد
“فقدت أبنائي خلال الحرب” و”عانيت وعائلتي الجوع والذل على يد داعش” جملتان تطلقهما “أم ضحى” امرأة في العقد الخامس من عمرها وهي تروي لنا قصة عائلتها.
تمتلكها جرأة ورغبة بالبوح “أمامنا” فلأول مرة تستطيع إطلاق العنان لداخلها والحديث عن ألم ووجع يعيشان يوميًا معها وهي تنتظر على الأطلال عودت أبنائها الغائبين بسبب داعش حتى اليوم.
“أم ضحى” وهي من سكان منطقة “القورية” في ريف دير الزور، تتحدث دون استطاعة وقف الدموع من عينيها عن فقدان أبنائها وكيف أنهم عاشوا حياة “السجن” في ظل تنظيم داعش، “لا أعرف أين أبنائي الأن، فقد خطفهم داعش منذ دخل المنطقة ولا أعلم إن كانوا على قيد الحياة أم لا، لقد فقدت الاتصال بهم”.
وكان داعش منذ عام 2014 يسيطر على مناطق ريف دير الزور وبين نهاية 2014 وبداية 2015 عمل على حصار المدينة.
تقول “أم ضحى” إن رغبة العيش بهذا الواقع أيضًا لم يرضِ تنظيم داعش، فلم يتركهم وشأنهم (هي وزوجها وابنتها) حيث لم يترك التنظيم ابنتهم وشأنها “أجُبرت على الزواج من عنصر لداعش (أفغاني)، لم تستطع الرفض لأن العنصر هدد والدها بالقصاص في حال عدم زواجها منه فوافقت مكرهةً، وبقيت لديه لمدة شهرين ثم تركها وهي حامل منه”.
وتضيف أن العنصر جاء بعد عدة أشهر إلى منزلهم وأعطى مبلغًا من المال لزوجها لمساعدته في الهروب “لكن أبو ضحى أخذ النقود وهرب وتركنا لقمة سائغة بيد داعش، عشنا فيها أيام سوداء”.
لم يكن أمام العائلة مناهضة التنظيم حتى عندما ترك الداعشي ابنتهم حامل لم تجرؤ العائلة على فعل شيء، وتضيف “أم ضحى” في حديثها لـ شبكة آسو الإخبارية، أنه تم عزل العائلة عن المحيط “تم منعنا من الخروج من المنزل، حتى الهروب بات حلم لنا، لم يترك التنظيم طريقة تعذيب وجربها علينا حتى الحرمان من الأكل والشرب”.
ليس من السهل تذكر لحظات صعبة عاشها المرء، هنا “أم ضحى” تقف قليلًا وتعود للوراء لواقع صعب جدًا وتتابع “أحيانا كنا نطبخ بالماء فقط، بسبب غلاء كل شي، الزيت والسمنة لم نعد نعرفهما، وانحرمنا من الشاي لأن كيلو الغرام الواحد من السكر أصبح ب 3 آلاف ليرة سورية آنذاك، وكيلوغرام واحد من البطاطا والبندورة كان حسرة علينا، هذا عدا أنه ممنوع عنك رفض هذا الواقع أيضًا”.
فرض داعش قوانين خاصة به على دير الزور وكان أقساها على منطقة القورية “عمل على لف القيود حول أعناق الأهالي وجعل من حياتهم ظلام قاتم” لعدم محاولة المنطقة التمرد عليه بحسب “أم ضحى” التي تضيف أن من القوانين التي فرضها داعش عليهم اللباس الأسود (اللباس الشرعي كما هو متعارف عليه عند داعش) والذي يتألف من البرقع والعباية والدرع والجفات، وهذا اللباس وجب على النساء والفتيات ارتدائه حتى لا يظهر من جسدهنَ أي شيء “تتم معاملة النساء بطريقة دونية، حيث كانت تعاقب المرأة على أبسط الأخطاء، ففي حال أن أحداً من عناصر داعش سمع أي شيء يخص إحدى النساء عن قضايا كالدعارة (ارتكاب المعاصي) أو مخالفة الأوامر، كانوا يرجمون تلك المرأة من دون التأكد من المعلومات ومن دون شهود أو إثباتات” وتتابع أن طريقة الرجم المتبعة كانت تقشعر لها الأبدان “كان عناصر من التنظيم يحفرون حفرة ويضعون المرأة فيها ويرجموها برمي الحجارة (البلوك) على رأسها حتى الموت”.
كان لكل فئة في المجتمع طريقة خاصة في التعذيب من قبل داعش، ففي حالات الشباب يجبر الجميع على المجيء ومشاهدة القصاص “كي يصبح من يقع القصاص عليه عبرة للأخرين”، فتضيف “أم ضحى” كان الأسوء بين الدواعش هم المهجرين (الأجانب) بينهم “كان تعاملهم سيء فليس لديهم رحمة لو تمت مقارنتهم بالدواعش المحليين فالاثنين كانا يجرمان بحق الناس لكن أساليب التعذيب لدى المهاجرين كانت أعنف وأشرس “كانوا يربطون أيدي الشباب ويغطون رأسهم ثم يعدموهم بلا شفقة، حتى لا يدعونهم يقولون الشهادة”.
حتى الهروب بحسب “أم ضحى” كان عليه عقوبة من داعش، فمن كان يحاول الهروب خارج نقاط سيطرة التنظيم ويتم إلقاء القبض عليه يكون “عقابه القصاص لأنه يعتبر خائن وكافر” برغم أنه وبحسب “أم ضحى” كان المهربون يعملون مع داعش “التنظيم كان يعتبر التهريب مصدر مالي له”.
أخيرًا استطاعت “أم ضحى” وابنتها بأعجوبة بعد تحمل الجوع والعذابات الوصول إلى مخيم عين عيسى بريف الرقة حيث تعيش اليوم وتقول “نعيش كي لا يعود الزمن الأسود مع داعش مجددًا”.
*أم ضحى اسم مستعار برغبة من المتحدثة.
*الصورة من الانترنت