Connect with us

Local

عام على الاحتلال.. عفرين يا “ثقل المواجع”

نشر

قبل

-
حجم الخط:

يحل في العشرين من كانون الثاني 2019 الذكرى الأولى لاحتلال عفرين من قبل  تركيا. عفرين التي اشتهرت بـ”الزيتون” المُعبّر عن السلام، واشتهر أهلها بحب الحياة، والعمل بكفاح، والالتزام بالأرض، وعشق خاص وارتباط بشجرة الزيتون التي تشتهر بها وتغطي قراها.

قبل الاحتلال التركي وفصائل المعارضة المسلحة، استطاع أهلها، بعيدًا عن الصراع في سوريا، من الإنتاج والعمل، باستقطاب مشاغل ومصانع من حلب، وباتت نقطة صناعة للألبسة والزيتون والزيت والصابون، وتصديرها لأكثر من 10 دول خارج سوريا، كما استقبلت النازحين من محافظات أخرى، ويعرف عن المدينة إيمانها بالتعددية الدينية والفكرية، فيعيش الكردي والعربي والمسلم والمسيحي والإيزيدي وغيرهم على هذه الأرض، يحمل غالبية أهلها الفكر المدني، حيث لا قيود دينية وفكرية تقيد حياة الناس، ترى الابتسامة بالحياة العنوان البارز على وجوه الناس. لكن هذا المشهد اختلف بعد احتلال المدينة، فقد تراجعت سبل التقدم التي بنيت، واختفت المشاغل والمصانع والحداثة التي وصلت لها المدينة وريفها وتهجير أهلها وخروجهم من عفرين، فاستبدل المشهد المدني في المدينة بمشهد عسكري واستجلاب سكان مناطق أخرى يختلفون تمامًا من حيث العادات والتقاليد الاجتماعية عن السكان الأصليين، ويحملون فكر أيديولوجي ديني، ليقطنوا في منازل أهالي عفرين، ويستولون على أرضهم، ويستخدمون خيرات أهالي عفرين في صورة وصفت بعملية “استيطان جديدة”.

شملت مبررات تركيا لاحتلال عفرين، أنه التحرير من مقاتلين يتبعون “حزب العمال الكردستاني”، بينما كان استهداف المنطقة وتغيير ديمغرافية سكانها واضحًا، عزز ذلك اعتماد تركيا علي فصائل المعارضة المسلحة في عملية قوضت رمزية “غصن الزيتون” الذي يعبر عن السلام  بالتحويل لعنوان احتلال في عملية سميت بـ”غصن الزيتون”. فكانت الفصائل السورية التي تتجهز لاحتلال عفرين، قد رفعت من صور رموز أمثال “صدام حسين” قبل الدخول لعفرين، وظهرت فيديوهات وصور لمقاتلين يرتدون اللباس “الأفغاني” الذي يرتديه جماعات القاعدة ويرددون قرب جبال عفرين أناشيد مرتبطة بالقاعدة قبل الدخول إليها، في صورة توحي تمامًا أن تركيا تعتمد على أطراف لديها ثأر مع الكرد، لذا هذه الفصائل ستقوم بسياسة الحرق في عفرين وهذا ما حصل فعلًا.

عمليًا كان المسيطر على عفرين تركيا، وأمام الرأي العام تركت عفرين بيد فصائل سورية ما أن دخلت المدينة وريفها حتى بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تعج بصور وفيديوهات السرقة والانتهاكات والقتل والخطف التي تقوم بها هذه الفصائل، فمن فرّ من أهالي عفرين لاقى مشقة الطريق حتى وصل إلى بر الأمان، ومن بقي عانى الويل لجانب المنازل والمزارع، وبات كل عفريني متهمًا بالتبعية لحزب العمال الكردستاني أثناء ابتزازه على منزله أو على محصوله الزراعي، فقد تحولت الألوان التي كانت تغطي عفرين إلى سواد في مشاهد يومية، فكل يوم يظهر فيديو فصائل تختطف مدني وتقوم بعرض فيديو يبتز اقربائه لدفع الفدية وإلا يتم قتله. هذه المشاهد كلها قابلها دعم ومساندة من المعارضة السياسية السورية للاحتلال.

لقد باتت عفرين سبية احتلال دولة لا تعترف باحتلالها، ولا تعامل المنطقة على مبدأ الاحتلال! حيث هناك قواعد للحرب والاحتلال من الممكن إن طبقت تساهم بحماية من تبقى من المدنيين، لكن عمدت تركيا بعد أن استطاعت تهجير الناس إلى ترك المدينة بيد فصائل حاقدة حتى اليوم في قتل البشر وحرق الشجر والاستيلاء على الأرزاق فحتى خطوط الكهرباء وقدور النحاس لم تسلم من عمليات تفكيكها وبيعها، وكان هذا واضحًا للعالم، لكن كان صمت المجتمع الدولي صارخ أمام عملية تسير بتوافق تركي- روسي.

أرقام الضحايا:

لم تهتم مؤسسات التوثيق والدراسات كثيرًا بنتائج معركة “غصن الزيتون” وبقي الضحايا مجرد أرقام، فبعض الأرقام المحلية التي توثق احتلال عفرين حتى نهاية عام (2018) تتحدث (قام بها ناشطون من عفرين) عن فقدان 262 شخصًا لحياتهم خلال احتلال تركيا لعفرين بينهم 26 طفل و38 امرأة. فقدوا حياتهم بطرق مختلفة بين قصف وانفجار وألغام وتعذيب وقتل مباشر. فيما بلغ عدد الجرحى في توثيق حتى نهاية عام (2018) إلى (765) جريح بينهم (112) طفل جريح و (116) امرأة أصيبوا بإصابات مختلفة.

شاهد المجتمع الدولي الحال الذي جرى على سكان عفرين دون موقف مؤثر. كما لم يكن هناك حراك إعلامي موضوعي مؤثر، فكثير من الوسائل التي سمح لها بالتصوير والتي دخلت عبر تركيا كانت تدخل بأمر من تركيا

مشاهد واقعية..

شاهد المجتمع الدولي الحال الذي جرى على سكان عفرين دون موقف مؤثر. كما لم يكن هناك حراك إعلامي موضوعي مؤثر، فكثير من الوسائل التي سمح لها بالتصوير والتي دخلت عبر تركيا كانت تدخل بأمر من تركيا، فكان انحياز كثير منها واضحًا للرواية التركية، عدا القليل من الوسائل. في فترة من الفترات استطاع مصور وكالة “فرانس بريس” من تصوير مشاهد من داخل عفرين تظهر “السرقة” و”النهب” وتفريغ المحال والمنازل من أدواتها، وأخذها باتجاه قرى في ريف حلب تحت سيطرة فصائل “درع الفرات” حيث قيل إنها تحولت لسوق بيع مواد مسروقة من عفرين. بعد ذلك تحولت عفرين لمدينة بيد فصائل تتعامل بعقلية العصابات مع الأهالي، في حين تغيرت رمزية عفرين وبدأت تركيا برفع العلم التركي وصور الرئيس التركي “رجب أردوغان”، إضافة لتحطيم كل رموز الكرد في المدينة بينها تمثال  الأسطورة الكردية ضد الظلم “كاوا الحداد”، كما رافق التغيير الديمغرافي للسكان تغير أسماء الأحياء والقرى في عفرين من المسميات الأساسية الكردية إلى أسماء تركية.

بانوراما بالأرقام:

كثيرة هي المشاهد التي تترك أثرًا سلبيًا في النفوس القادمة من عفرين، فكل يوم هناك ما هو جديد متعلق بالانتهاكات، لكن هنا نعرض بانوراما لجزئية من أهم أحداث عفرين.

يصادف يوم 20 كانون الثاني 2018 يوم “احتلال عفرين” من قبل تركيا والفصائل التي تدعمها. في نهاية كانون الثاني لعام 2018 أعلنت تركيا السيطرة على جبل “برصايا” وقامت برفع العلم التركي عليه. وفي شباط لعام 2018 كان هناك محاولة لعودة النظام السوري إلى عفرين اشترطت تركيا دخول النظام أن يرافقه تسليم “وحدات حماية الشعب” سلاحها لكن هذا الاتفاق (..) بين تركيا والنظام لم يحصل وعندما حاولت قوات للنظام بتاريخ 20 شباط 2018 دخول عفرين قامت تركيا باستهدافهم. بعد ذلك بأيام أعلنت تركيا احتلال خمس نواحي في عفرين وبذلك باتت تحتل نواحي (جنديرس وراجو وبلبل وشران والشيخ حديد). في بداية آذار مع تقدم الفصائل المدعومة من تركيا لعفرين، شهدت المدينة حالت نزوح كبيرة جدًا، كان أهالي عفرين يرفضون البقاء مع هذه الفصائل التي ذاع صيتها بأفعال إجرامية وانتقامية بحق الناس. وفي 13 آذار 2018 أعلنت تركيا محاصرة عفرين بالكامل. في 16 آذار قامت تركيا بقصف مستشفى في عفرين فقد على إثره 16 مدنيًا حياتهم داخل المشفى وفي 19 آذار أعلنت تركيا احتلال عفرين بالكامل، وهنا باتت عفرين وريفها مليئة بالأعلام التركية وصور اردوغان يقابل ذلك عمليات استيطان بجلب سكان من مناطق أخرى لعفرين.

حتى اليوم يعيش أهالي عفرين حالة من عدم الاستيعاب لمشهد تهجير ونزوح نحو مليون إنسان من أرضهم ومدينتهم وقراهم والخروج منها قسرًا، على أمل أن يكون هناك بارقة أمل لعودتهم بخروج المحتل.