مدونة آسو
شاشة التلفاز وألوانها تعود لمنازل الرقة وتحريمها رحل مع داعش
آسو-عبير محمد
يجلس “عبد السلام” وعائلته، أمام التلفاز، ويقضون أوقاتًا ممتعة يملأها السعادة والسرور، في مدينة الرقة، التي عاشت تحت حكم “تنظيم الدولة الإسلامية-داعش” لسنوات وكانت عاصمة التنظيم، الذي مارس كل أنواع الظلم بحق الناس، وحرمهم من جميع حقوقهم، وكثير من متطلبات الحياة، ومنها التلفاز الذي كان محرمًا على الناس استخدامه، حيث كانت داعش قد خصص دوريات مشتركة للبحث عن التلفاز في المنازل وأيضًا أجهزة الديجتال والصحون “الدشات”، ومنعها من على الأسطح، مع مصادرة واعتقال أصحاب المنازل التي يتواجد فيها التلفاز.
اليوم تشاهد الصحون مركبة على أسطح أحياء الرقة مجددًا، كما عاد التلفاز لمنازل المدنيين مجددًا، فظهور ألوان التلفاز جاء بموازاة إزالة ستارة سوداء وضعها داعش، والتي غطت حياة الناس الطبيعية.
“عبد السلام أبو محمد” أحد سكان مدينة الرقة في العقد السادس من عمره، عاش مع عائلته في ظل حكم داعش للمدينة، يتحدث لشبكة آسو الإخبارية عن ذكرياته المريرة بالقول إن “كل شيء في هذا الوجود كان حرامٌ علينا وحلالٌ لهم (أي داعش)، أما بالنسبة للتلفاز، فكان يُخالف كل من يشاهده في البداية، ومن ثم يتم كسر الجهاز مع الصحن في حال تكرر الأمر، ومن يتجرأ أن يشاهده بالسرقة عدا المرتين الأولى والثانية، فسيكون مصيره ما يندم عليه بعدها”.
يضيف لكن الوضع الآن مختلف تماما عما مضى، “الحمد لله على كل حال التفت حولي أجد الحياة التي حرمنا منها، كل شيء مصرح له (التلفاز، الراديو، والانترنت…)، فلا تخلو بيوت الرقة من تلك التفاصيل الصغيرة الممتعة والأجواء المفرحة، الآن نحن نتنفس الصعداء”.
يشير عبد السلام في حديثه أنه لطالما سعى داعش كتنظيم إرهابي إلى استخدام “وسائل التواصل الاجتماعي” بجوانبٍ دموية لا تمس الإنسانية بأية صلة، إلا أن ذلك كان يستخدم ضمن سياسته الوحشية بهدف نشر الذعر والرعب في كافة أنحاء العالم، وبالأخص تحطيم النفوس في المناطق الخارجة عن سيطرته والمجاورة له”.
ويذكر معاناة الأهالي بالقول إن الناس كانت تعيش تحت حكمه (من دون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنيت بشكلٍ عام، ومن دون مشاهدة التلفاز على وجه الخصوص) “كأنهم في عصر الجاهلية، أو في مكانٍ معزولٍ متقوقع أشبه بمثلث برمودا، لا يصل إليه أي شيء من الثقافات العامة ولا يخرج منه سوى السواد القاتم، وذلك لبقاء سكان المنطقة في الظلام مغلُوباً على أمرهم”.
وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت ممنوعة في المنازل، ولعدم تحكم التنظيم بالحياة فقد سمح لمزاولة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عبر فتح مقاهي انترنت، يلجأ الناس إليها للتواصل مع أهلهم وأقربائهم، لكن بشروط متشددة، حيث يتم ذلك تحت مراقبة التنظيم، ويدير المقاهي أناس موثوقون لدى داعش، ويتم الجلوس في المقاهي واستخدام الانترنت فقط لساعات محددة، إضافةً إلى أخذ بيانات الزبائن مع مراقبتهم بشكلٍ متواصل، كما وحظرت من جانبٍ آخر مشاهدة التلفاز في جميع الأيام (خاصة في مدينة الرقة)، باستثناء بعض المناطق التي سمح فيها بمشاهدة التلفاز صباح يوم الجمعة، وذلك للاستماع إلى القرآن الكريم دون غيره، ومن يخالف ذلك، تكون عاقبته وخيمة.
“كان كل شيء ممنوع والتلفاز فاسد كما يدعون”، هكذا بدأت كلامها “دلال أم محمد” زوجة عبد السلام وهي تجلس في غرفة صغيرة مع عائلتها، يجلسون أمام شاشة التلفاز، وتقول خلال حديثها مع فريق العمل، إن التلفاز بالنسبة لداعش يحمل مواد إعلامية فاسدة بهذا كان يحاول داعش اقناع الناس، لكن في الحقيقة كي يكون واقع داعش الحقيقي مغيب عن الناس، “الناس بمشاهدة التلفاز ستعرف الكثير عن داعش وضده”. وترى أم محمد أن التلفاز يمنح للمشاهد كل شيء وتبقى المتابعة برغبة المشاهد نفسه “يحتوي التلفاز على مواد إعلامية فاسدة ومواد أخرى جيدة وجميلة، بغض النظر عما ينقل من أخبار وأفلام ومسلسلات وغيرها، يبقى الخيار واقع على عاتق الشخص بحسب رغبته وبحسب ثقافته، تستطيع أن تشاهده بجوانبٍ ودوافع سلبية كما وتستطيع أن تستخدمه بجوانبٍ تعليمية ثقافية، لكن لا يمكن أن يتم وضع قيود وشروط على الناس للمتابعة أو منعهم”.
التلفاز من الممكن أن يعوض بعض الأثر التعليمي المنعدم في وجود داعش، لكن غياب التعليم والتلفاز يخلق جيل غير متعلم. تقول “دلال أم محمد” حائرة، “حُرم أطفالي من مشاهدة التلفاز طيلة فترة حكم داعش للمنطقة، فلم يستطيعوا الذهاب إلى مدارسهم بسبب الثقافة الداعشية التي نُشرت آنذاك، كما ولم يستطيعوا التعلم من خلال البرامج التلفزيونية التعليمة والتربوية، لأنها كانت محرمة علينا بشكلٍ كلي، فما ذنب هؤلاء الأطفال الأبرياء أن يبقوا لأعوام دون التطرق للعلم، هم الآن بحاجة إلى عناية مكثفة لتعويض ما فاتهم”.
عانى سكان الرقة من الأوضاع الصعبة في ظل الضغوطات وأعمال العنف التي مارسها “داعش”، إذ لم تقتصر نيته على الترهيب والقتل وسفك الدماء، بل فرض قوانين صارمة على أهالي المنطقة، كما وطُبقت عقوبات قاسية على المخالفين لقوانينه تصل إلى حد القتل، وإبعاد الناس عن التلفاز كان بغاية فصلهم عن كل ما يدور من حولهم ولحجبهم عن العالم الخارجي.
حقوق الناس في التعليم واقتناء التكنولوجيا، هي متاحة للبشرية، واليوم يعود الناس إلى مدينتهم وهم يقتنون ما يريدون من هذه الوسائل، للمساهمة في توعيتهم، على عكس ما كان داعش يرسم لهم أن يعيدهم دومًا لعهود الجهل والحرمان.
*الصورة تعبيرية من النت