مواطن وعدالة
من النظام إلى داعش: كيف عادت الحياة لأحمد الذي قتل!
آسو- عبير محمد
تحرير (س. د)
سنوات عديدة من عمر الشاب “أحمد الحسين” البالغ من العمر 31 عاماً، من سكان مدينة الرقة، اختصرت بنزهة عاش فيها لحظات بين الحياة والموت. ففي رحلة دامت ثلاثة أشهر تخللها كثير من التفاصيل المؤلمة، قُدر لـ “أحمد” أن يعايش ظروف مختلفة، بدأت باعتقال من قبل النظام ثم محاولة هرب أوصلته ليد داعش ثم حياة جديدة بعودة إلى منزله بعد اعتقاد أهله بأنه قد فقد الحياة.
تبدأ قصة “أحمد” عندما قرر أن يهرب مع صديق له من سوريا باتجاه أي مكان خارجها، هربًا من الحياة الصعبة التي يعيشها السوريون، فيقول لشبكة آسو الإخبارية، عندما قررنا الرحيل كان الهدف النجاة للوصول إلى حياة بعيدة عن الحرب والقتل والتدمير “كانت وجهتنا لبنان”.
قبل الوصول إلى لبنان عاش أحمد ورفيقه طريق المستحيل والمعجزات “كانت البداية عندما غدر أحدهم بنا على أنه سيوصلنا لمطار قامشلو/ القامشلي وننطلق من المطار لبيروت بعد دفع رشوة (مبلغ مالي) لتفادي الأمن السوري لكن تم إلقاء القبض علينا داخل المطار لأننا مطلوبين للخدمة الاحتياطية، فأُخذنا بطريقة قاسية جداً إلى سجن الأمن العسكري بقامشلو ثم إلى سجنٍ آخر يقع في جبل كوكب، بقينا فيه عدة أيام ثم تم أُرسالنا إلى دير الزور مع مجموعة من الأشخاص بطائرة هلكوبتر”.
كل مدني مقاتل في دير الزور
كان الوصول إلى دير الزور والبقاء فيها هو مثل أحجية حيث جميع الطرق مسدودة فيها، أو ربما ترى طريق فيوصلك إلى الهاوية. فيقول أحمد “بقينا في نقطة عسكرية بدير الزور لنحو (18 يوماً) كلما ذهبت مجموعة من الأشخاص للقتال، لا يعود منهم سوى شخص أو شخصين وغالباً ما يكون الناجين مصابين أيضاً بسبب المعارك الضارية التي كانت تجري هناك بين قوات النظام السوري وتنظيم الدولة (داعش)”. ويشبه أحمد تلك المنطقة بمثلث برمودا فلا يعود من يخرج منها “كان الوضع مأساوي جداً على جميع الأصعدة، لذلك قررنا الهرب أنا وصديقي لأنه كان الحل الأنسب والأفضل لنا من أن نموت في المكان الذي نحن فيه أو يكون مصيرنا مثل الذين ذهبوا ولم يعودوا”.
كانت دير الزور لسنوات تشهد معارك بين النظام وداعش، وكان الأخير يحاصر النظام وقوات تابعة له في نقاط مختلفة أبرزها المطار العسكري.
وعندما قرر أحمد ورفيقه الهرب يحدثنا بالقول “قمت مع صديقي بوضع خطة محكمة للهرب، فبسبب بقائنا فترة في المنطقة استطعنا تحديد مسار الهرب والتوقيت المناسب له، فانتظرنا حلول منتصف الليل، وبالفعل استطعنا الهرب حيث كانت مناوبتي الليلية في الحرس، وعلى الرغم من وجود كم هائل من الألغام في تلك المنطقة لكننا تمكنا من تجاوزها”.
رحلة من الموت إلى موت جديد
لا بأس بفكرة تغيير المكان للبحث عن مصير أفضل لمن ليس لديه خيارات للبحث عن بارقة أمل، لكن، قد تتغير المعطيات بحسب الظروف وبحسب الأجواء للأسوأ أحياناً.
تابع “أحمد الحسين” لشبكة آسو الإخبارية بالقول، إنه وصديقه اعتقدا أن الحياة عادت لهم من جديد بعد الهرب بثوان “لكن تم القاء القبض علينا في تلك المساحات الخالية من ريف دير الزور”. يقف أحمد قليلًا يلتفت حوله شيء من حالة خوف مازالت تنتابه وهو يروي القصة ويتابع بأن الحكاية هذه المرة مختلفة “فقد نفذنا من منطقة النظام السوري لكن قد اعتقلنا من قبل عناصر تابعون لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)”.
هنا لا حكاية تشبه الحكايا ولا رمزية تقابل رمزية المكان يتحدث أحمد متلعثمًا “لا شيء يشبه واقع هؤلاء، كنا نسمع عن داعش وعن طرقه وأساليبه البشعة التي كان يطبقها باسم الدين، لكن أن تعيشها يعني أنك ستشهد ما يفوق قدرة العقل على التفكير والتصديق”.
يذكر “أحمد” أنه في البداية عندما تم إلقاء القبض عليه ورفيقه كان التنظيم قد قرر قتلهما مباشرة “قام أحد عناصر داعش برفع السلاح ليطلق النار لكنه اكتفى بضربنا بشدة بمؤخرة السلاح، والجميع من حولنا يصرخ علينا بعبارات (يا كفرة يا خنازير… قتلكم حلال) كادت أن توقف قلبنا من شدة الخوف، ثم أخذونا إلى مكان بعيد لا نعرف أين كان”.
وأنت بيد داعش تبقى الاحتمالات في العيش قليلة جدًا. لن تفكر بشيء إلا بصيص أمل يبقيك حيًا أو يكتب حياة جديدة لك، أو أنك ستكون بطل مسرح إجرام لداعش.
فيقول أحمد “وصلنا الى مكان لم نعرفه بعد رحلة دامت عدة ساعات، أنزلونا إلى مكان داخل الأرض، لربما كان قبو بناء، وسألونا، من أين أنتم؟ قلنا، من الرقة، قالوا، هل انشقيتما عن الجيش السوري؟ قلنا نعم!”. كانت إجابة “نعم” كافية لجعل “القصاص” بحقهم يتأخر. ويتابع القول إنه بعدها قام عناصر التنظيم بجلب الطعام والشراب والفاكهة “سمحوا لنا بالاستحمام وتبديل ملابسنا المتسخة بملابس جلبوها لنا، حينها اختلطت مشاعرنا واعتقدنا أن هذا الشيء يعني أننا نجونا، ثم أخذونا إلى غرفة يوجد فيها 7 أشخاص بينهم طفل، وأعطونا لباساً أزرق اللون، سألنا السجناء المتواجدين في الغرفة ما قصة اللون الأزرق؟ أجابونا، أنه اللباس بأنه تم الحكم عليكما بالقصاص، لكن من دون أن تعلقا في الساحات أو يتم الإعلان عنكما إعلاميًا”.
بدأ فصل جديد في مأساة “أحمد” وصديقه حيث عادة تكون مدة القصاص قصيرة وبالفعل يروي “أحمد” أنه بعد 48 تم اعدام 4 من بين الذين كانوا موجودين برفقة أحمد ورفقيه بينهم الطفل الذي لم يكن يتجاوز 14 سنة.
في اليوم الثالث يقول “أحمد” إنهم أخبرونا أن القاضي قد تغير وأن القاضي الجديد “غير الحكم علينا ربما كانت صدفة إلهية ليصبح جزاؤنا بدل القصاص الاستتابة”.
كان داعش يتقصد بعقوبة الاستتابة كي يقوم بربط الناس بعقيدته التي كان يحلل ويحرم ويقتل ويسبي ويغتصب ويعدم بها.
بعد الخضوع للاستتابة قال “أحمد” إنه تم الإفراج عنه وصديقه بعد أن خضعوا أيضًا لدورة شرعية على نهج داعش لمدة 50 يومًا وبعدها تم الافراج عنهما بإطلاق سراحهما، لتكون بمثابة ولادة جديدة في الحياة لهما.
اختتم ” أحمد الحسين” قصته بلحظة وصوله إلى أهله وعائلته بالقول، إنه بعد كل العذاب والمغامرات التي رأتها عينه، اعتقد أن العودة إلى المنزل ستكون خالية من الأحداث “عدت إلى المنزل وأنا لا أصدق ما حصل معي، كنت سعيداً جداً للقاء زوجتي وطفلي، وحينما وصلت رأيت زوجتي جالسة أمام الباب، تفاجأت بأنها لم تستطع أن تقف وتستقبلني مصدومة بما رأت عيناها، فبكت بشدة وارتجفت كثيرا وأغمي عليها، ظناً مني أنها مشتاقة لي بعد هذا الفراق (فهي تحبني كثيراً)، لكن علمت بعدها أن عائلتي قد بنوا لي خيمة عزاء لمدة سبعة أيام متتالية لأنهم كانوا يبحثون عني خلال هذه الفترة، وتلقوا معلومات من أحد معارفي بأنني قد قتلت على يد داعش بدير الزور”.
قصة “أحمد” وصديقه عاشها سوريون كثر منهم من نجى مثل “أحمد” وصديقه وكثيرون من أصبح مصيرهم مجهولًا حتى اليوم، ومنهم من فقد الحياة في رحلة الصعاب التي عاشها، مئات العائلات السورية لديها مفقودين لا يعرفون إن كان أبناؤهم يعيشون أو في زمام الأموات.
*الصورة تعبيرية من النت