مدونة آسو
احتلال تركيا وتوسعها في سوريا
توماس ماغي
ترجمة: هجار عبو
بعد أشهر من المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن التنفيذ المشترك لـ “منطقة آمنة” في شمال شرق سوريا، بدأت تركيا العضو في الناتو في 9 أكتوبر عمليات التوغل من جانب واحد في المنطقة. بدأت عمليتها المسماة “نبع السلام” مع قيام الجيش التركي بشن غارات جوية مكثفة وقصف عبر الحدود على أهداف عسكرية ومدنية استراتيجية. تلا ذلك انسحاب القوات الأمريكية وحينها تحركت الفصائل المسلحة السورية والمدعومة من تركيا عبر الحدود الدولية. لقد فعلوا ذلك لانتزاع سيطرة المناطق الواقعة على الحدود من القوات الديمقراطية السورية- الحليف الكردي متعدد الأعراق للولايات المتحدة في سوريا المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية منذ عام 2015.
تركيا وحلفاؤها يتهمون قوات سوريا الديمقراطية بالتواطؤ في الدمار الشديد بسبب حملة الولايات المتحدة لإزالة المتطرفين من تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة الرقة.
أفادت الأنباء أن الجيش التركي والجماعات السورية التي دربتها وجهزتها ونسقت معها – والأخيرة “الجيش الوطني” تعمل تحت مظلة المعارضة السورية- بأنها ارتكبت سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان منذ بدء العملية. بدءاً من عمليات الإعدام دون محاكمة، والهجمات غير القانونية، وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية والنهب، يعتبر تقرير صدر مؤخراً لمنظمة العفو الدولية أن القوات التركية وشركائها “أظهروا تجاهلًا مخزيًا للحياة المدنية”، ووجدوا “أدلة دامغة على ارتكاب جرائم حرب”.
الانتهاكات المألوفة تعزز الدليل على التغيير الديموغرافي المدعوم من تركيا
ومع ذلك، لا ينبغي أن تكون هذه الانتهاكات مفاجئة بالنظر إلى قاعدة الأدلة الحالية للجرائم المماثلة التي ارتكبها نفس الفاعلون أو ذوو الصلة في منطقة عفرين الشمالية الغربية في سوريا. لأكثر من عام ونصف العام، بحثت عن انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة النطاق المرتكبة ضد السكان المحليين في هذه المنطقة ذات الغالبية الكردية في أعقاب إطلاق عملية غصن الزيتون في يناير 2018 هناك، وحملة عسكرية أخرى قامت بها القوات المسلحة التركية وحلفاؤها السوريون. في دراسة نشرتها مؤسسة فريدريش إيبرت شتيفتونغ الألمانية حول الإسكان والأراضي والممتلكات، ادعى جميع من أجريت معهم مقابلات من عفرين، أنهم تعرضوا لانتهاكات على أيدي فصائل الجيش الوطني. وسط الخوف من الاضطهاد التعسفي، ذكر أحد المصادر “يبدو أن الفصائل تتنافس على من يمكنه أن يتصرف بشكل أسوأ.”
مع تواتر ملفت للنظر خلال الشهر الماضي، تلقيت تقارير حول العديد من الانتهاكات نفسها التي يتم إعادة إنتاجها في مناطق شمال شرق سوريا والتي أصبحت تحت سيطرة فصائل الجيش الوطني المدعومة من تركيا. وبالفعل، فإن أحرار الشرقية، وهي جماعة سيئة السمعة لارتكاب انتهاكات في عفرين، قد اتُهمت بالفعل بقتل السياسية الكردية البارزة وناشطة حقوق المرأة “هفرين خلف” في شمال شرق سوريا. وبينما يخشى السكان هناك من ظهور “سيناريو عفرين”، لم يكن من المفاجئ التعليق الدولي الشامل بشكل موازي على الأحداث الأخيرة. إن الاعتراف بأنماط مماثلة من الانتهاكات المرتكبة في مناطق مختلفة من شمال سوريا يعزز الأدلة على أن تركيا تعمل على القيام باستراتيجية للتغيير الديموغرافي.
لطالما اعتبرت تركيا مشروع الحكم الذاتي للكورد السوريين على الجانب الآخر من حدودها بمثابة تهديد للأمن القومي وتدخلت لمواجهة ما تسميه “ممر إرهابي ناشئ”. ومع ذلك، فإن تدخل تركيا كدولة فاعلة خارجية بتاريخها المتبع للنزوح القسري ضد سكانها الكورد، يقدم بعدًا عرقيًا واضحًا لتحليل هذه التطورات.
القضاء على الخدمات وبث الخوف لحث النزوح
قبل إطلاق عمليات نبع السلام وغصن الزيتون المعنية، كانت كل من شمال شرق سوريا وعفرين تحت إدارة الجهات الفاعلة التي يقودها الكورد منذ عام 2012. وقد نجت هذه المناطق إلى حد كبير من الدمار الشديد الذي شوهد في أماكن أخرى من البلاد واستقطب استقرارها أعداد كبيرة من النازحين السوريين. كما حدث من عفرين، قامت الهجمات الأخيرة المدعومة من تركيا بطرد مئات الآلاف من السكان المحليين في شمال شرق سوريا.
في إطار عملياتهم، استهدف الجيش التركي وحلفاؤه منشآت الخدمات العامة، بما في ذلك المنشآت الطبية في كل من عفرين وبلدة سري كانيه / رأس العين شمال شرق سوريا. إن الاستهداف التركي الأخير لمحطة علوك المائية في شمال شرق سوريا، والذي يقطع وصول مياه الشرب لحوالي 400000 شخص، يذكرنا بالأفعال المماثلة في عفرين التي أدت إلى زيادة النزوح إلى الحد الأقصى. تم تكرار “حكم الغاب” الفوضوي التي تجسدت بعد عملية غصن الزيتون في عفرين لتطبق في شمال شرق سوريا مع حالات الاختطاف من أجل الفدية والقتل التعسفي والترهيب.
ممارسة أخرى ثابتة هي قيام المقاتلين من الجيش الوطني بتوثيق أنفسهم أثناء ارتكاب جرائم حرب بشعة. سرعان ما أصبح الفيديو الشهير لأعضاء الجيش الوطني وهم يقفون فوق جثة بعد تشويهها، للمقاتلة الكردية “بارين كوباني” رمزا للوحشية المرتبطة بعملية غصن الزيتون في عفرين. من منتصف تشرين الأول، تم نشر مقاطع فيديو لفصائل الجيش الوطني التي تنفذ اعدامات للأسرى في شمال شرق سوريا على وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع. استنساخ هذه المشاهد، وكذلك تقارير عن الفسفور الأبيض كسلاح جديد في الترسانة التركية، ساعد على نشر الخوف بين السكان المحليين، وحفز المزيد من هروب المدنيين.
الاحتلال واعادة التوطين
مثل هذه الإجراءات أفرغت فعليًا منازل أصحابها الأصليين، ومهدت الطريق لنقل المقاتلين المرتبطين بالمعارضة وعائلاتهم إلى عفرين. وصفت منظمة العفو الدولية تركيا بأنها “تحرر كما تريد” و “تغض الطرف” عن انتهاكات شركائها السوريين، حيث ينظر المستوطنون الجدد بقوة إلى ذلك كمكافأة لمشاركتهم في العملية. حيث أصبح النازحون العرب والتركمان يمثلون الآن الأغلبية في بعض مواقع عفرين الكردية على وجه الخصوص، هناك أدلة واضحة على حدوث انتهاكات تتزامن مع الهندسة الديموغرافية.
ومما يدعو إلى القلق أن العلامات الأولية لهذه العملية قد بدأت بالفعل في مناطق شمال شرق سوريا في إطار عملية نبع السلام. في بلدة تل أبيض، مثلا، تشترك الفصائل المسلحة المتنافسة في مطالباتها بالمنازل على أساس مخصص وذلك ببساطة عن طريق كتابة أسمائها وكلمة “محجوز” على المباني. كما وردت تقارير موثقة عن نهب الممتلكات في كل من سيري كانيه وتيل أبيض.
الأمل في أن تمارس الولايات المتحدة نفوذها بعد سنوات من الوجود العسكري في شمال شرق سوريا لوضع شروط على تدخل تركيا في غير محله بشكل مأساوي. بدلاً من ذلك، مع قيام الرئيس التركي أردوغان بالإشارة بشكل متزايد صراحة إلى خطط نقل الأكراد من شمال شرق سوريا، إلى جانب تقارير عن عودة اللاجئين السوريين قسراً، يبدو أن مصير عفرين سيتكرر.