أصوات نسائية
نشاط تفاعلي يهدف لتمكين المرأة ودورها في “مخيم الهول”
خلق تنظيم داعش بفكره المتطرف، صورة سلبية في المجتمعات التي سيطر عليها، عبر العنف والقتل، وزرع الخوف بين الأهالي، وبالأخص النساء، حيث همش المرأة وقمعها، وساهم كثيرًا في خلق مجتمع نسائي مضطهد.
وبهدف مساعدة النساء على التغلب على المرحلة السابقة، ودعم النساء في العودة للحياة الطبيعية والتغلب على الصعاب، والمساهمة في بناء المجتمع، نظمت مؤسسة تاء مربوطة بالشراكة مع وقف المرأة الحرة في سوريا، نشاطاً خاصاً بالنساء في “مخيم الهول”، على مدى ثلاثة أيام، بعناوين تساهم بنبذ الأفكار المتطرفة، وإعادة تمكين المرأة، وتفعيل دورها في المجتمع.
وتقول “ميساء حسين” مديرة مشروع تاء مربوطة، إن المؤسسة ستقوم خلال الأشهر القادمة بالتركيز على مخيم الهول والنساء المقيمات فيه كونه المخيم الأكثر احتياجا في المنطقة بسبب ظروفه الخاصة وازدحامه وسيطرة العقلية المتطرفة على اجوائه وتأثيرها على عدد كبير من ساكناته بوضوح.
وأكدت أنه يجري الإعداد للتركيز على إقامة أنشطة تفاعلية وأنشطة دعم نفسي خلال الفترة القادمة.
النشاط الذي بدأ في الـ 7/8/9 من شهر كانون الثاني، استهدف أكثر من 25 امرأة من جنسيات مختلفة، من لاجئات ونازحات تقطن ضمن “مخيم الهول”، تراوحت أعمارهن بين الـ 20 و 40 عاماً.
تبين “عبير محمد” المنسقة في مؤسسة تاء مربوطة والمسؤولة المكلفة بتنظيم النشاطات المشتركة بين تاء مربوطة ووقف المرأة الحرة ضمن مخيم الهول، أن النشاط هدف إلى ترسيخ الأفكار الإيجابية في أذهان النساء المتواجدات في المخيم، وتعزيز ثقتهن بأنفسهن، وكذلك السعي لانخراطهن في المحيط بشكلٍ فعال، بعيداً عن الظروف المأساوية التي مررن بها من ذي قبل في مناطقهن.
وتعيش النساء في المخيم، ضمن ظروف صعبة، وقاسية، يتخللها أيضًا نوع من الخوف نتيجة تواجد مجتمع واسع في المخيم من بينه نساء زوجات عناصر لداعش.
وتحدثت “بشرى حامد” منسقة العمل في فريق تاء مربوطة، أن النشاط تخلل بثلاث فقرات رئيسية، منها عرض أفلام قصيرة من إنتاج “هيئة الأمم المتحدة للمرأة”، تحاكي قصص نساء تحدين الصعاب واجتزن مشقات الحياة من مخيمات أخرى ومن بلدانٍ مختلفة.
الهدف الرئيسي من مضمون الأفلام هو دمج المرأة مع محيطها اجتماعياً في مخيم الهول، وأن تكون صاحبة قرار من أجل صناعة مستقبل جميل لها كما تطمح له أن يكون، إضافةً لأن تعتمد على نفسها في إتاحة فرص عمل لذاتها بشتى مجالات الحياة، مع الاستمرارية في مواصلة طريق العلم والثقافة، بحسب وصف حامد.
وأضافت “بشرى حامد” بالقول: “بعد عرض كل فلم يُفتح باب النقاش مع النساء المشاركات عنه، مبينين بعض الاستنتاجات التي تم الوصول إليها من خلال مشاهدة الفيلم. حيث عبرت العديد من المشاركات عن رغبتهن بالقيام ببعض الأعمال في المستقبل للرقي بالذات ومساعدة الأسر والمحيط، والسعي جاهداً لتجاوز جميع المخاوف والتحديات التي مررنَ بها في الماضي”.
تعقيبا على عرض الأفلام، آراء متعددة ناقشت بها النساء، إذ قالت إحدى المشاركات بخصوص التعليم، “أنا أمية، لا أعرف القراءة والكتابة، السبب يعود إلى أمي وأبي فهم لم يعلمونني، لن أقبل بتطبيق هذه الحالة مع أطفالي وخاصة البنات، لن أجعل منهن ضحية الجهل والتخلف، ونحن نفتخر بالشهادة”.
في حين قالت مشاركة أخرى بخصوص العمل، “نحن بحاجة لفرص عمل لكي نعيش بكرامة نحن وأطفالنا، تعلمنا من خلال الدورات (خياطة وكوافيرة وتمريض)، لكننا لم نستفيد حتى الآن من اكتساب هذه المهارات التي اكتسبناها”.
وأضافت أخرى بالقول، “أنا حاصلة على شهادة البكالوريا وشهادة تمريض، وهنا في المخيم يوجد عدة منظمات، لكن لا يوجد عدل في التوظيف، بينما يوجد العديد من عائلة واحدة موظفين بنفس المنظمة، لا أتكلم عن نفسي فقط، فهناك الكثير من الكفاءات وهناك الكثير من الناس المحتاجين للعمل، لكن ضمن المنظمات (كلو واسطات)، مضيفةً بالقول، “اللي رايح فيها هو الشخص الضعيف الفقير”، على حد تعبيرها.
ذكرت “عبير محمد”، أن النشاط تضمن أيضاً فقرة خاصة بالرسم، كرسم (نهر الحياة)، وهو عبارة عن خطين متوازيين، ترسم كل امرأة من المشاركات ضمن هذين الخطين ما تريده، وما هي رؤيتها لشيء ما، أو التعبير بصورة مصغرة عن الحياة التي عاشوها، وكذلك رسم (وجه)، للتعبير عن شخصية المرأة، إضافة إلى وضع كف اليد على الكرتون والقيام برسم (الأصابع)، بحيث تكتب بعدها المرأة على كل إصبع من أصابع اليد اليمنى الأحلام، وعلى كل إصبع من أصابع اليد اليسرى الصعوبات، معبرين بذلك عن أحلامهن وطموحاتهن وانجازاتهن من جهة، وعن الإخفاقات والعقبات والتحديات والصعوبات التي عاشوها ويعيشونها الآن من جهةٍ أخرى.
وعن الهدف من هذه الفقرة، تقول محمد، “من خلال الرسم يمكن أن تظهر العديد من المشاعر والعواطف والأفكار، خاصة اللواتي لديهن خجل في الاندماج، أو النساء غير القادرات على التواصل اللفظي، أو اللواتي يفتقرن لماهية الجماعة والحياة الاجتماعية”.
وتابعت عبير، “تم تشكيل عدة حلقات بهذه الفقرة، وكل حلقة مكونة من 5 نساء، تم تزويدهن بالكرتون والأقلام الملونة، بدأت بعدها كل امرأة برسم مسار حياتها داخل الخطين من خلال رموز دالة (شجرة، حجرة، جبل، قلم، مدرسة، راية بيضاء، شمس، خيمة، سواد…) وغيرها من الرموز والدلالات، إضافة إلى رسم الوجوه بطرق مختلفة، فمنها السعيدة ومنها الحزينة وغيرهما، علاوة على رسم الأصابع وكتابة الكثير من المعاناة والطموحات، من ثم تم مناقشة الرسومات مع المشاركات، وشرح دلالة كل رسمة من قبلهن.
من أبرز الرسومات والشروحات رسمت إحدى المشاركات شمس، وقالت إن الشمس تعني بداية حياة، ومن ثم رسمت وجه ضاحك وقالت، أتمنى من الدنيا أن تضحك لي من جديد، ومن ثم رسمت وجه حزين وقالت، هذا وجه يعبر عن الخوف من المجهول (والله يستر)، وفي النهاية رسمت شمس مرة أخرى، وقالت أحلم بأن يكون كل شيء جميل (وعلى أمل).
وكذلك رسمت إحداهن، امرأة منقبة وفوقها شمس، وقالت، “بعيداً عن موضوع الدين الذي نفتخر به كمسلمين، لكن هذه هي الحياة السوداء التي تعلمناها في السنوات الماضية، وإن شاء الله تشرق الشمس عن قريب”.
وقالت مشاركة أخرى، رسمت مسار حياتي، عائلتي كيف كانت، وكيف تم قتل أخي، وكذلك شنق ابن أخي، وحياتي الآن في الخيمة.
في حين رسمت إحداهن غيم وشجر وجبال وقالت، “أنا أحب الطبيعة كثيراً، ولكنني لا أراها أبداً من حولي، ومع ذلك فأنا متفائلة”.
تحدث بدوره” علي إسكان” مدرب ومحاضر في النشاط، قائلاً: “أيدت الكثيرات من النساء دور المرأة الفعال في المشاركة بالحياة اليومية المهنية والعملية إلى جانب الزوج، دون التقصير في الواجبات المنزلية، ومن الملاحظ والجدير ذكره، أنه كانت هناك مشاركة إيجابية وفعالة ونقاشات جوهرية من معظم النساء خلال النشاط، وخاصة في الفقرة الثالثة من هذا النشاط “جلسة حوارية”.
وأردف إسكان بالقول: “دار النقاش خلال الجلسة الحوارية حول العادات والتقاليد البالية في المجتمعات وعن التراث والحضارات والأماكن التي جئن منها، وبدورهن العديد من النسوة المشاركات تحدثن عن اللباس في الأيام العادية والزي المعتاد عليه في الأعراس والحفلات، ناهيك عن المأكولات والوجبات المشهورة التي تميز كل قبيلة وكل عشيرة وحتى كل منطقة مثل (السمك، الباجا، المعجنات والحلويات ..)”، وغيرها الكثير من العادات والتقاليد.
ومن خلال الجلسة الحوارية، تقول إحدى المشاركات، معبرةً عن رأيها: “إن الحيار (الزواج من ابن العم بالغصب) هذه من العادات والتقاليد التي كبرنا وتربينا عليها، تزوجت ابن عمي “بالحيار”، وأنا حالياً في هذا المخيم منذ ٧ سنوات بسببه لأنه التحق مع داعش وقتل، وبالنسبة لي تُصنّف هذه العادة من أسوء العادات العشائرية على الإطلاق”.
وقالت مشاركة أخرى بالنشاط وهي من العراق: “كل شيء في بلدي كان جميلاً وما يزال، عاداتنا، تقاليدنا، زيّنا، أعراسنا، أفراحنا، حتى أحزاننا لها لونٌ مميز، إلا أنني هُجّرت بالغصب أنا وأهلي، كان لدي إخوة اثنين في داعش لكنهما قُتلا، وأعتقد أنه الآن لا خوف علينا إن عدنا إلى ديارنا، لأنه لا دخل لنا بما فعلوه إخوتنا”.
في حين اقترحت البعض من المشاركات خلال الجلسة الحوارية عن العادات والتقاليد، تجهيز نشاط خاص لصناعة الكليجة والحلويات في الفترات القادمة، ولاقت الفكرة ترحيبا لدى الجميع، حيث بدت النساء متحمسات لخوض هذه التجربة والعمل بشكل جماعي.
من جانبها عبرت” ياسمين عثمان” إدارية في وقف المرأة الحرة في سوريا، عن هذا النشاط بالقول: “تفاعل المشاركات في النشاط كان ملحوظاً جداً طوال الأيام الثلاثة، شاهدنا وجوهاً مبتسمة وارتياحاً للنفوس بشكلٍ كبير، وباعتقادي، آرائهن ونقاشاتهن شكل مساراً جديداً وخارطة طريق جديدة سيسيرون عليها في المستقبل”.
تضيف عثمان بالقول: “التغلب على العقبات، والبدء بمرحلةٍ جديدة مشرقة تسمو إلى التشاركية المهنية والعملية، إضافة إلى متابعة الثقافة والتعليم، وخلق روح إبداعية جديدة بطابع متميز، هذا ما يطمح لتحقيقه فريق العمل في كلاً من وقف المرأة الحرة وتاء مربوطة على حد سواء، ساعين جاهداً معاً لتحقيقه من خلال هكذا نشاطات في مخيم الهول”.
تجدر الإشارة إلى أن هذا النشاط الخاص بالنساء استمر في مخيم الهول لمدة ثلاثة أيام متواصلة بالتعاون المشترك مع وقف المرأة الحرة في سوريا، وسيتم تكراره بالفقرات الرئيسية والمحتويات ذاتها، وإنما مع مشاركات أخريات من النساء، وذلك للوصول بالمرأة إلى فكر حر ومتميّز، وتمكين دورها في المجتمع والمحيط بطرق وأساليب إيجابية عديدة ومتنوعة.