مدونة آسو
الكشف في الجزء المفقود… سري كانيه\ رأس العين: القصة الكاملة لمدينة أثقلت المأساة كاهلها مرتين
سردار ملادرويش
سري كانيه\ رأس العين\ قطف الزهور\ رش عينو، مسميات مدينة واحدة يطلقه أهالي مدينة سري كانيه\ رأس العين عليها، وكما ورد في التاريخ القديم، وكتب التاريخ.
وفي التاريخ الحديث عرفت المدينة واشتهرت بينابيعها وطبيعتها، ومعالمها السياحية المعروفة، أما الشهرة الأكثر فتأتي من تنوعها السكاني، والتعايش بين أبنائها دينيًا وقوميًا وإثنيًا، فاستطاعت هذه المدينة إيجاد طابع خاص بين أهلها، من عرب وكرد، مسلمين ومسيحين وإيزيدين، أرمن وسريان وكاثوليك وأشوريين، وتركمان وشيشان وشركس، يأطرها تعايش رهيب، يشمل هذا الوصف من انتقل إليها وعاش فيها فتأثر بها، وباتت المدينة جزء منه.
الواقع قبل 2011
سري كانيه\ رأس العين، قبل حراك 2011 في سوريا، كانت بين المدن المهمشة في جزء تابع للمنطقة الشرقية من ناحية الاهتمام والخدمات من قبل الحكومات السورية المتعاقبة، فكانت السلطة لا توليها الاهتمام، وعند انطلاق “الحراك السوري” في آذار لعام 2011، انقسمت المدينة مثل كل سوريا، بين مؤيد للحراك\ الثورة، ومؤيد للسلطة\ الدولة، كما بدأت أولى التظاهرات المناهضة للسلطة في المدينة، أوائل شهر نيسان 2011، وأطلقها مجموعة من الشباب بمعظمهم كرد، ومعهم بضعة أشخاص مسيحين وعرب وشيشان وتركمان، ثم بدأت المدينة تشهد حراكًا بات يتوسع بشكل أكبر وكثافة أكثر، التظاهرات بغالبية المشاركين من الكرد، نساء وأطفال، في شكل سلمي لا عنفي، وكان هذا يتوافق مع رؤى الحركة السياسية الكردية.
في أحد المراسلات الصحافية مع وكالة الصحافة الفرنسية (AFP) التي كنت أزودهم بأخبار وصور وفيديوهات تظاهرات محافظة الحكسة، أخبرني أحد الزملاء، أن الصور والفيديوهات القادمة من المناطق الكردية (شمال شرق سوريا)، تعبر عن تنوع حقيقي بتمثيل النساء مثلًا بتواجدهن في التظاهرات، على عكس محافظات سورية كثيرة أخرى.
كانت الجموع في مدينة سري كانيه\ رأس العين، تلتحق بعد انتهاء صلاة الجمعة، بالتظاهرات السلمية، في نسق منضبط، كانت الشعارات المناهضة للسلطة واضحة، والمطالبة بالتغيير السلمي حاضر، والهتافات تدعو للحرية، ولم تضغط السلطة اتجاه التظاهرات في محافظة الحسكة التي يشكل الكرد فيها الغالبية، وهي سياسية اتبعها النظام في مناطق متعددة تتواجد فيها الأقليات بسوريا، وفي حال كان هذا سياسة مقصودة من النظام السوري، لكن في المقابل لم يكن الأخير يمتلك حاضنة بين الكرد في سوريا.
النظام لم يواجه المنطقة بعداء مباشر ضمن إطار سياسية، الأمر الذي كان يفترض على المعارضة السورية أن تستغل الحراك في المنطقة وتعاطف الكرد مع الثورة، لكن المعارضة اتخذت مسار التبعية الإقليمية ومعاداة المنطقة على أساس غير واعي، وصل بالبعض من المعارضين الحكم على المنطقة بلماذا لم تدمر مثل المناطق الأخرى، وكأن صك الثورية بات يتمثل في من يتم هدم سقفه على رأسه أكثر.
نقص المعرفة السورية لواقع الكرد..
في الواقع كان هناك فجوة كبيرة، بين الكرد والعرب السوريين، من حيث المعرفة ببعضهما البعض، حيث النظرة السائدة عن الكرد كانت مأخوذة من نظرة السلطة السالفة، بأن الكرد مجرد مجموعة انفصالية عن سوريا، وهذا الشعار جددته المعارضة السورية في خطابها حتى اليوم، فأي رمزية كردية غير مقبولة لديهم، كانت المبررات في البداية، لماذا يتم رفع علم كردستان مع علم الثورة في التظاهرات، أذكر نقاشات بحدية داخل غرف وسائل تواصل للمعارضة السورية، كانت تنتقد الأعلام الكردية في التظاهرات، الأمر الذي كان مجرد جهل مدفوع به، فهؤلاء أنفسهم تحولوا بعدها لمتفرجين أو حاملين لرايات سوداء أخذت مكان علم الاستقلال الذي يمثل الثورة..
الوقائع بعد 2011..
الفترة الممتدة بين آذار 2011 وتشرين الثاني 2012، ستكون أخر مرحلة للاستقرار الحقيقي في المدينة في عهد السلطة، دون أن تتغير معالمها وتشهد الحرب والصراع، فالمشهد بعد 2011 كان يتمثل بتظاهرات ضد السلطة في المدينة، يرافقها ضغط غير ظاهر ومباشر من قبل السلطة، حيث سلمية التظاهرات لم تكن تدع الكثير من المبررات لقمع السلطة، في منطقة، بالأساس لا تملك السلطة سيطرة فيها، لكن كان يوجد سلطة أمنية، تراقب عن كثب، وتركت الواقع بدون أمن، ليقوم الأهالي في المدينة عبر المجلس المحلي ومجلس الشعب ولجان أهلية تمثل مكونات المجتمع، بتسيير الأمور الحياتية في الجزء المغيب من قبل السلطة، وذلك في النواحي الأمنية والمجتمعية.
في تلك الفترة كانت سري كانيه \ رأس العين قد بدأت باستقبال النازحين من محافظات سورية مختلفة، عشرات العوائل لم يضطر أحد منهم العيش خارج المنازل، سوى قلة سكنوا في مدرسة شرق المدينة، وكان سكان المدينة والمجلس المحلي يقومون بواجبهم بمساعدة النازحين وتأمين وتوفير متطلباتهم، كما لم يبخل أهالي المدينة على مساعدة النازحين، أذكر جيدًا أن المجلس المحلي الكردي قام بتجهيز خيمة عزاء لنازح متوفي من حمص، فكان الشعور بالأمان لدى النازحين واضحًا، وفي المدرسة التي استقبلت النازحين، شاهدت يومًا مباراة كرة قدم بين فريقين، كانا مقسمين بين فريق موالاة وفريق معارضة، كان يفرقهما الانتساب الفكري، لكن يجمعهما احترام الأخر.
لم يكن الشباب من أبناء المدينة يعملون داخلها في مناهضة السلطة فقط، بل أن أبناء من المدينة عملوا في محافظات أخرى وكان بينهم معتقلون أوائل في دمشق، وشباب عملوا على تأسيس تجمعات في العاصمة وبتأثير بداية الحراك السوري..
بدايات المأساة..
مع بدايات عسكرة الثورة السورية، وتشكيل الجيش السوري الحر، ودعم المعارضة للتسليح، وقفت أحزاب الحركة السياسية الكردية في وجه تسليح الثورة وتحويل البلاد لصراع عسكري، فكان هناك إيمان ورؤية من قبل أحزاب الحركة السياسية الكردية، بأن التغيير يجب أن يأخذ طابع سلمي لاعنفِ، وأن السلاح سيخلق حالة عنف وفوضى، وهذا ما حدث فعلًا، فقد عملت فصائل الجيش الوطني السوري، على اقحام المنطقة في الصراع العسكري، عندما دخل 48 فصيل عسكري فجر يوم التاسع من تشرين الثاني 2012، إلى مدينة سري كانيه \ رأس العين، تحمل أسماء توحي طابع ديني أكثر مما توحي بطابع وطني، 48 فصيل بمسميات مثل (لواء الحق) و(الله أكبر) يقودها فصيل غرباء الشام والمجلس العسكري في الحسكة، دخلت من شمال المدينة عبر البوابة الحدودية السورية- التركية وبدعم تركي، وأيضًا من غرب المدينة، الأمر الذي أدى لفرار الأهالي خاصة من حيي المحطة الشمالي والجنوبي لحد حي العبرة، لتنتشر الفصائل وتبدأ معركة بدأت منذ فجر التاسع من تشرين الأول لثلاثة أيام، في مواجهة 3 مفارز أمنية، اثنتان بينها فرَّ عناصرها وأعتقل البعض منهم، مع مقاومة عسكرية من قبل مفرزة الأمن العسكري، التي استمرت لأيام مع فصائل المعارضة التي في النهاية سيطرت على نصف المدينة، وبدأت تسيير عرباتها فيها، وكانت غالبية الفصائل القادمة من خارج المنطقة، من حلب وإدلب والرقة تاركة معركتها الأساسية مع السلطة.
منذ دخول الفصائل بدأ يظهر عليها الطابع السلبي، فمع الدخول للمدينة بدأت عمليات السلب والنهب والسيطرة على أملاك الأهالي.
في شهادة أحد المقاتلين قال: “لقد قاموا بإقناعنا بأن هذه المنطقة فيها خيرات كثيرة، وخصوبة وفيرة، وأن سكانها (كفار)”، هذا ما كان قد أخبروهم عنه فئة دعمت دخول الجيش السوري الحر من أبناء المنطقة يقودهم “نواف راغب البشير” والذي غادر المعارضة لاحقًا وشكل ميليشيات في دير الزور، وبدعم من إيران”.
الصراع بين المجلس والمعارضة..
مع دخول فصائل الجيش السوري الحر لسري كانيه \ رأس العين، لم تتقبل هذه الفصائل أي تواجد للمجلس المحلي التابع للمجلس الوطني الكردي في البلدة، وبعد حادثة قيام أحد عناصر الجيش السوري الحر من حلب برمي العلم الكردي من يد شاب كردي أمام مفرزة الأمن العسكري في المدينة، قال الشاب الحلبي للشاب الكردي (نحن من حررنا المدينة ونحن من سيديرها)، حيث كان هذا مؤشر أنهم قادمون لأطماع شخصية ونهب، لا كما يدعون لتحرير المدينة، وتأكد هذا بنزوح الأهالي باتجاه تركيا، وعدم القدرة على العودة لعدم انضباط هذه الفصائل، التي تقاسمت المدينة ولم يستطع أحد من السكان العودة لمناطق سيطرة الفصائل التي امتدت من شرق المدينة (البوابة الحدودية) حتى منتصف السوق (محال صابر)..
خلال الفترة التي سبقت دخول الجيش السوري الحر للمدينة، كان المجلسان الكرديان المحلي والشعب مع مكونات المدينة، قد شكلا لجان شعبية لضبط أمن المدينة وحراستها، خاصة بعد استهداف ناشطين من المدينة، لكن مع دخول الفصائل للمدينة وتحويل الصراع إلى صراع قومي وأهلي ضد الكرد وأهل المدينة، جرت تصادمات عسكرية بين الفصائل في وجه قوى حماية مدنية وقوات حماية الشعب، فكانت نية الفصائل أن تقوم بعبور المدينة باتجاه مدن أخرى، وحاول أحد القادة في الجيش السوري الحر وهو بمثابة أمير ينحدر من الحسكة، بمحاولة عبور حاجز الصناعة في المدينة، لكن تم إيقافه وقتله في اشتباكات على الحاجز ما أشعل شرارة صراع بين الجيش السوري الحر بفصائله ومنها المتطرفة، مع القوات المحلية وقوات حماية الشعب، وجرت معركة الـ (14) يوم المعروفة والشهيرة، استطاعت القوات المحلية وقوات حماية الشعب استعادة السيطرة على نصف المدينة، وأقل من النصف الآخر بيد الجيش السوري الحر، ما أدى لتوتر ألزم تدخلات سياسية لمحاولة التهدئة، فحصلت هدنة أولية، كان يتخللها مناوشات وصراعات بين الطرفين على الحدود الفاصلة بينهما، استمرت حتى شهر نيسان 2013 عندما اندلعت معارك بين قوات حماية الشعب والقوات المحلية التي كان يدعمها شخصيات مستقلة، وفصيل غرباء الشام ممثل الجيش السوري الحر، ليتم طرد غرباء الشام واعتقال قائدهم بيبرس الذي طلب طرده بمقابل كتابته لوثيقة من 23 صفحة (تم تسليمها لقوات الحماية المدنية) وتتضمن كيفية وأسباب دخول الفصائل لرأس العين، والداعم للفصائل، ومن عمل على تحويل المدينة لساحة صراع عسكري.
بعد هزيمة غرباء الشام بدأ صعود نجم جبهة النصرة من رحم تلك الفصائل الـ 48، وأصبحت القوى البديلة عن غرباء الشام في الهيمنة على فصائل المعارضة، ومعها المجلس العسكري في الحسكة، لكن لم يكن الأخير قوة فاعلة، في تلك الفترة ظهرت مبادرات من سياسيين سوريين بينهم ميشيل كيلو لتهدئة الوضع في المدينة وبالفعل تكلل ذلك باتفاق بين الجيش السوري الحر الممثل بجبهة النصرة والمجلس العسكري بالحسكة وقوات حماية الشعب والقوات المحلية، لكن الهدنة استمرت حتى صيف (رمضان) 2014، عندما دارت معارك طاحنة بين الطرفين أدت لطرد جبهة النصرة لخارج المدينة، فقامت الأخيرة بإمطار المدينة خلال لحظات الإفطار في رمضان من كل يوم بالقذائف التي كانت تطلق من غربي المدينة، في الوقت الذي بدأ هنا بروز تنظيم داعش، ومع خسارة جبهة النصرة لمدينة سري كانيه\ رأس العين والالتجاء لغربي المدينة، ضعفت النصرة وقام العديد من اتباعها بمبايعة تنظيم داعش لتبدأ معارك ريف رأس العين الغربي التي امتدت ضد داعش حتى السيطرة على الطريق الدولي من داعش.
مرحلة الاستقرار..
بعد سقوط جبهة النصرة، وإبعاد داعش بمعارك من قبل وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة (حيث كانت قد بدأت هي القوى العسكرية المسيطرة) عن ريف سري كانيه\ رأس العين، بدأت الحياة تعود للمدينة، وبدأ تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية، فكانت الحدود الفاصلة بين وحدات حماية الشعب وداعش التي أعلنت الرقة عاصمة، تقع قرب حدود قرية الأرتوازية غربي رأس العين.
هنا بدأت عودة المدنيين بمجموعات جيدة للمدينة، وبدأت حركة الإعمار في المدينة، وقوى مسيطرة بطابع عسكري أكثر من الطابع المدني، تخلل المشهد أيضًا بدأ صراع داخلي وانتهاكات جرت من قبل القوى العسكرية والمدنية في المدينة، بوضع اليد على أملاك وأرزاق عوائل على إنها منتسبة لجبهة النصرة والفصائل التي قامت بالإساءة للمدينة، وهذا في القانون الدولي غير مقبول، الأمر الذي خلق فجوة لصراع جديد كان بالإمكان التغاضي عنها والمحاسبة المباشرة بحسب القوانين للمنتمين لجبهة النصرة مثلًا في حال عادوا للمدينة، ولن يعودوا لتورطهم بجرائم بحق الأهالي، لأن هذا التصرف الخاطئ بالسيطرة على الأملاك خلق فجوة وتصفية حسابات، تمت محاسبة أناس لم يقع عليهم وزر أبنائهم.
عودة الحياة..
برغم المنغصات التي عاشها الأهالي لكن كانت الفترة الممتدة من عام 2015 حتى عام 2019 من أفضل السنوات خلال الحرب التي استطاع فيها الأهالي العودة، وبناء عقد جديد، ليس بعقد ديمقراطي كما يراد، لكن ضعِف شعور الخوف من داعش، وخف شعور عدم الأمان، فبدأ الأهالي بإعادة الحياة للمدنية، ولم يعد للحكومة السورية تواجد فيها.
لكن مع أعوام 2018 و2019 بدأت منغصات تهديدات تركيا تزعزع الاستقرار في شرق الفرات التي تم تحريرها من داعش، حيث بدأت تركيا تشير بتهديد التدخل بحجة مكافحة “الإرهاب” المقصود به حزب العمال الكردستاني، وكان يدفع هذا التهديد وقوف المعارضة السورية والكثير من أبناء المنطقة بصف تركيا، انتقامًا من الإدارة الذاتية، فالكثير كان يرى أن السلطة الموجودة تحمل إيديولوجيا قومية، ويجب محاربتها ولو كان بتدمير المدينة فلا بأس بحسب رؤيتهم.
التهديدات ضد المدنيين واجتياح المنطقة..
في عام 2019 بدأت تركيا بتغذية عقول الكثيرين من أبناء المنطقة الشرقية لمواجهة الأهالي في الداخل، فكانت ثغرة الاستيلاء على أملاك البعض في مدينة سري كانيه\ رأس العين وتل أبيض، باتت حجة لكثير من المستفيدين ليعلنوا أنه تم طردهم\ تهجيرهم من المدينة، فأصبح هؤلاء رأس حربة وأداة تركيا في احتلال رأس العين وتل أبيض لاحقًا، كما كانوا في البداية رأس الحربة للكثير بينهم في مبايعة جبهة النصرة وداعش.
مع تنفيذ التهديدات وقبلها قامت الإدارة الذاتية بإعادة أملاك البعض في مدينة سري كانيه\ رأس العين، وبدأت ملامح الحرب تظهر على المدينة، حيث التهديدات والتصريحات، تغذية الصراع القومي بين الكرد والعرب، حفر الخنادق من قبل الإدارة الذاتية، التجهيزات العسكرية على الحدود من قبل تركيا، وتجميع فصائل متطرفة في بوتقة سمتها “الجيش الوطني السوري” الذي بدل أن يكون وجهته للنظام السوري، كانت وجهته للمناطق الكردية، وكانت تجربة عفرين بتوافق تركيا مع روسيا كافية لزرع الخشية بنفوس الأهالي، لكن إشارة غزو تركيا لمدينتي سري كانيه\ رأس العين وتل أبيض في التاسع من تشرين الأول 2019 كانت هذه المرة بتوافق أمريكي- تركي.
احتلال المدينة..
يوم التاسع من تشرين الأول 2019، بعد الظهر، وبعد إشارات عدة لبدء الحرب على سري كانيه، منها انسحاب نقطة المراقبة الأمريكية من تل أرقم (6 كيلومتر غربي سري كانيه)، وظهور خيوط دخانية من طائرات في السماء، كانت النقطة الحسم والواضحة بأن الأهالي باتوا في خطر، فبدأ مشهد الجينوسايد في جموع الأهالي، التي يتم تهجيرها باتجاهين: طريق قامشلو\ القامشلي (بقلة لأنه طريق حدودي)، وطريق تل تمر، فكان الناس ينتشرون ويهربون هلعًا وخوفًا، حيث تجربة عفرين وأفعال فصائل المعارضة السورية أمام أعينهم، وهذا ما حصل فعلاً فمن بقي في المدينة كان ضحية هذه الفصائل المتوحشة.
نوايا الفصائل.. انتهاكات وسلب ونهب..
كان واضحًا مع سيطرة الفصائل على سري كانيه وتل أبيض أن لا هدف لعودة المهجرين كما أدعوا، أو لتحرير المدينة كما أعلنوا، فقد كان المشهد المصور من قبل الفصائل وعن سبق إصرار، بتصوير مشاهد القتل والنهب والسلب محبط جدًا، ويؤكد أن هؤلاء لا تنفع معهم أي شرعنه لحقوق الإنسان.
عشرات الضحايا ومئات الجرحى، وآلاف المهجرين، من مدينة باتت شبه خالية، سرق فيها حتى قضبان الخشب من جدران المنازل، وخلاطات مغاسل المياه تم تفكيكها وسرقتها، وعاثت الفصائل الغريبة في المدينة الفساد، في مقابل مشهد سوري مخزي من قبل الحكومة السورية، ومتضامن مع تركيا والفصائل من قبل المعارضة السياسية السورية (الائتلاف والحكومة المؤقتة) والقوى المدنية (غالبية المجتمع المدني والإعلام)، وأيضًا مؤسسات الإفتاء (المجلس الإسلامي السوري)، جميعها دعم الاحتلال وقتل المدنيين بشكل مريب، وكأن الذين تم الضرر بهم ليسوا بسوريين!
منذ احتلال سري كانيه، لم يمر يوم إلا وسجل فيه انتهاك بحق الأهالي من قبل الفصائل، اليوم نقترب من ذكرى عام على احتلال سري كانيه وتل أبيض، لم تقدم تركيا ما أدعت به، ولم تمثل قوى الثورة السورية الصورة المناسبة، على العكس، فقد مثل الطرفان أبشع الصور، في مدينتين تشهدان مئات الانتهاكات، فلم يعد غالبية أهلها، بل تم استيطان سكان من محافظات أخرى في المدينة، وتم سلب أرزاق وأملاك المدنيين (المحال والأراضي الزراعية)، وتقاسمت الفصائل المنازل، وحولتها لقطاعات تتبع لها، على جدار كل منزل عبارة بأن المنزل يعود لفصيل ما، وشهدت المدينة عشرات التفجيرات الإرهابية، حتى بدأت ملامحها تتشوه، وبات العنوان الأكبر هو انتهاكات واغتصاب واعتقال وخطف وتنكيل، أكدتها تقارير أممية ومنظمات دولية، ليبقى السؤال المحير هل هناك ثورة في التاريخ نكلت بمدينة مسالمة (سري كانيه\ رأس العين) مرتين، ومثلت فيها أسوء الصور والمشاهد!
أما سري كانيه\ رأس العين المدينة فتقع في شمال شرق سوريا، وتتمتع بتنوع سكاني وتعايش رهيب، ولمن يريد معرفة مجرياتها عليه قراءة القصة الكاملة، وملء الجزء المفقود منها…