Connect with us

مدونة آسو

الوجود الأمريكي المؤثر في المنطقة؛ هدية سفر بايدن إلى الشرق الأوسط

نشر

قبل

-
حجم الخط:

الكاتب: علي أفشاري
ترجمة: شبكة آسو الإخبارية

تصدرت زيارة الرئيس بايدن إلى المنطقة عناوين الأخبار خلال الأيام الماضية، وكان من جملة ما قاله بايدن إنّ أمريكا لا تنوي الانسحاب من الشرق الأوسط وخلق فراغ يصب في مصلحة دول مثل الصين وروسيا وإيران.
المحلل السياسي علي أفشاري، يدرس من خلال هذا المقال مكتسبات هذه الزيارة.

كانت رحلة جو بايدن الأولى، كرئيس للولايات المتحدة، إلى المنطقة، حدثاً واسع النطاق وفي بؤرة اهتمام العالم.
إنّ لقاء بايدن مع يائير لابيد، رئيس وزراء حكومة إسرائيل الانتقالية، ومع بن سلمان والملك سلمان في المملكة العربية السعودية، وحضور قمة جامعة الدول العربية في جدة، والاتفاقيات التي تم التوصل إليها على الساحتين الدولية والإقليمية، كل ذلك سيُحدث تغييرات في المنطقة، لكن خلافاً لبعض التفسيرات، فإنّ التغييرات المحتملة لن تكون واسعة النطاق.

يظهر تحليل الأحداث والتصريحات أنّ عودة الولايات المتحدة إلى سياسة الدور الفعّال في الشرق الأوسط، وإعادة العلاقة مع المملكة السعودية واحتواء توسع التعاون مع الصين في مجال التكنلوجيا، هي أكبر إنجازات رحلة بايدن الأخيرة إلى الشرق الأوسط، وأكثرها ديمومة، كما أنّ التطبيع الكامل لوجود بن سلمان على المستوى العالمي وفي الدول الغربية، هو أيضاً أحد النتائج المهمة لهذا الحدث.

لكن فيما يتعلق بمواجهة إيران، وتشكيل تحالف إقليمي ضدها، وزيادة تقريب إسرائيل من الدول العربية، ومصير المفاوضات النووية، ودخول إسرائيل في علاقات الشرق الأوسط، وحل أزمة ارتفاع أسعار النفط، فلم يحدث أي شيء ذا شأن في الوقت الراهن.
فيما يلي، سيتم مناقشة المحاور المختلفة لسفر بايدن وشرح نتائجها:

تعزيز موقف بن سلمان
مع تخلي جو بايدن عن سياسته السابقة القائمة على إدانة السعودية بسبب ضلوع ولي عهدها في القتل الوحشي للصحافي السعودي جمال خاشقجي، فإنه بدأ، من الناحية العملية، في تطبيع العلاقة مع بن سلمان، وخروجه التام من العزلة الدبلوماسية، إذ أن الخاشقجي كان قد خُطف وقتل بأوامر منه، وذلك وفقاً للتقييمات والمعلومات الاستخباراتية الأمريكية.

على الرغم من أن بايدن بادر بالقيام بهذا الزيارة بدوافع مثل سوق الطاقة، والأمن الغذائي، وإضعاف دولتي روسيا والصين، وتخفيض سعر البنزين في الولايات المتحدة، إلّا أنّ ذلك محفوفٌ بالمخاطر من الناحية العملية، في ظل طموحات بن سلمان، وحالة الانغلاق السياسي التي خلقها في السعودية.

من جهةٍ أخرى، نفى مسؤولون سعوديون، ومن بينهم عادل الجبير، وزير الدولة للشؤون الخارجية، خلال الاجتماع الخاص، ادعاء بايدن حول الإشارة إلى مسؤولية بن سلمان في الجريمة المذكورة.

كما أشار الجبير إلى أنّ بن سلمان كان قد أكد على ضرورة احترام الاختلاف في القيم الثقافية، التي كانت وما تزال مبرراً للانتهاك الممنهج للقيم العالمية لحقوق الإنسان، تحت مسمى النسبية الثقافية.

لم يؤثر استياء بايدن من هذا التكذيب والإنكار، على انتقادات منتقديه داخل حزبه وخارجه، ومن بينهم برني ساندرز.

كانت نتيجة هذه الرحلة هي تعزيز مكانة بن سلمان خارج حدود السعودية، وترسيخ حكمه المستقبلي كعهد جديد في حكومة آل سعود.

على الرغم من أنّ بن سلمان يشجع التحديث في إطار نظرة سطحية للحداثة، وذلك من خلال نقل التكنلوجيا المتطورة، وزيادة الحريات الاجتماعية، إلا أنّه في المجال السياسي يميل نحو الشمولية ونفي أسس الفكر الحديث.

من جهةٍ أخرى، فإنّ إدانة الولايات المتحدة من قبل المسؤولين السعوديين، بسبب حادث سجن أبو غريب، يشير إلى عدم الاكتراث بالانتقادات الحقوقية للولايات المتحدة.

تحسين العلاقات
يمكن اعتبار هذه الرحلة نقطة تحول في ترميم العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بعد انتهاء رئاسة دونالد ترامب، وهي في حقيقة الأمر عملية مصالحة بين الديمقراطيين وآل سعود.
بالطبع كان مستوى استقبال بايدن في الرياض أقل بكثير من استضافة دونالد ترامب.

لقد تم توقيع عقود تجارية وتقنية أساسية بين البلدين، ولا سيما في مجال إنتاج الطاقة النظيفة، ومن المرجح أن يتم تعديل شروط واعتبارات الولايات المتحدة فيما يتعلق ببيع المعدات العسكرية المتطورة للسعودية وباقي دول الخليج العربي.

لكن لا يجب أن يكون هناك أية مبالغة فيما يتعلق بتحسن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية. فخلال العقد الماضي انتقلت السعودية بشكل تدريجي من سياسة التحالف الاستراتيجي مع الغرب إلى خلق التوازن مع روسيا والصين، حيث دفع توقع المسؤولين السعوديين تشكل عالم متعدد الأقطاب، إلى الامتناع عن وضع كل البيض في سلة الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، وعملت على توسيع علاقاتها مع روسيا والصين.

وضعت التحديات الجديدة للديمقراطية في العالم، وصعود الأنظمة السياسية الاستبدادية، السلطات السعودية التي لا تولي اهتماماً بالديمقراطية وحقوق الإنسان، في موقعٍ مختلف لما يتوقعه الساسة الأمريكيون مثل بايدن.

كما أنّ المسؤولين السعوديين باتوا يدركون، عد تجربة الربيع العربي، أنّهم لا يستطيعون التعويل على الحماية الأمريكية، في حال حدوث الاحتجاجات الداخلية.

لذلك، صرّح الأمير فيصل بن فرحان، بعد انتهاء محادثات بايدن في السعودية، أنه على الرغم من اعتبارهم الولايات المتحدة مصدراً أساسياً للواردات في مجالات التكنلوجيا والمعدات العسكرية، لكنهم يستمرون في تعاونهم مع دولٍ أخرى، ومن بينها الصين.

كما أنّ السعودية لديها قناعة بالتعاون على مستوى محدود مع روسيا في المجال الاستراتيجي والجيوسياسي. وعليه، يمكننا القول بدرجة عالية من اليقين، إنّ السعودية لن تعود إلى سياسة التعاون الكامل مع الغرب، في ظل التطورات الجديدة على الساحة الدولية.

احتواء إيران
تزامنت رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط مع الجمود الذي تشكل بعد مفاوضات الدوحة غير المباشرة بين ممثلي الحكومتين الإيرانية والأمريكية، التي اتجهت فيها إدارة بايدن نحو تصعيد نبرة التهديد ضد إيران.

ولأنه بالإمكان تقييم سياسة بايدن في احتواء إيران إجمالاً على أنها تتراوح بين سياسة ترامب وأوباما، نجد أنها تقترب أكثر من سياسة الضغوطات القصوى لترامب، في الطريق المسدود الحالي، وعدم وجود أمل يلوح في الأفق لأي انفراجة.

في هذه الأجواء، فإنّ الإعلان عن المعاهدة المشتركة بين أمريكا وإسرائيل، يعني المزيد من التعاون مع إسرائيل ضد إيران، وتأتي هذه الخطوة الأمريكية في الوقت الذي تتجه فيه الأخيرة نحو إنتاج السلاح النووي.

إن أي عمل مستقل لإسرائيل في هذا المجال ينطوي على مخاطر كثيرة، لأنّ هذا البلد سيلحق به ضرر كبير في المواجهة المباشرة مع إيران، لكن هذا يبقى مرهوناً بالمستقبل، وبالنظر إلى السياسة الحالية التي تتبعها إيران، في استعراض “بلوغ عتبة القدرة النووية العسكرية” وفي الوقت نفسه الامتناع عن صنع السلاح النووي، فإنّ فرصة تحقق مبادرة إسرائيل بشكل منفرد تبقى ضئيلة.

في الوضع الراهن، ما تزال الفجوة بين إسرائيل والولايات المتحدة قائمة حول إعادة بناء الاتفاق النووي، كما تشترك الدول العربية في هذا القلق إلى حدٍّ ما.

في الوقت نفسه، صرّح بايدن أنّ الدبلوماسية وإعادة بناء الاتفاق النووي مع إيران، ما تزال ضمن أولوياته. كما إنّ إنشاء تحالف عسكري إقليمي ضد إيران لم يحقق اثراً ملموساً على الأرض.

ليس هناك سوى مسألة بيع معدات عسكرية أكثر تطوراً، وتقديم الاستشارة العسكرية لتعزيز القدرات الصاروخية والدفاعية الجوية لتلك الدول العربية، التي تتجنب المواجهة مع إيران، حتى أنّ وزير الخارجية السعودي بن فرحان، رفض بشكلٍ صريح فكرة تشكيل الناتو العربي.

ما يزال الغموض يلف فكرة تشكيل تحالف إقليمي ضد إيران، في الوقت الحالي، كما أنها تواجه عقبات حقيقية.

إنّ رغبة المملكة العربية السعودية في تهدئة التوتر مع إيران، وضغط الحكومة العراقية في هذا المجال، هو دليل آخر على أنّ موازين القوى الإقليمية لم تشهد تغيراً كبيراً ومستداماً، وأنّ لا شيء يلوح في الأفق في هذا الصدد.

على الرغم من أنّ قبول تمديد وقف إطلاق النار في اليمن يعتبر نجاحاً لإدارة بايدن، إلّا أنه يعتبر، في الوقت نفسه، امتيازاً لسلطات طهران أيضاً، فهو يسمح لها بعرض تقاسم السلطة المنشودة على السلطات السعودية والقوى الإقليمية الأخرى.

العلاقة بين العرب وإسرائيل
كانت رحلة بايدن المباشرة من تل أبيب إلى جدة بداية لتأسيس خطوط جوية للمسافرين بين السعودية وإسرائيل، وعلى الرغم من كونه حدثاً جديداً من نوعه، إلا أنّه من الخطأ تعميم هذا الحدث المتعلق بمجال الاقتصاد السياسي، على القضايا الاستراتيجية والجيوسياسية.

وقد قوّضت تصريحات المسؤولين السعوديين أي تفاؤل بشأن تطبيع علاقات بلادهم مع إسرائيل، فالسعودية هي ليست مثل المغرب أو البحرين أو الإمارات، ولن تمنح مثل هذا الامتياز لإسرائيل وداعميها الغربيين، ما لم يحدث تغيير ملموس في أوضاع الفلسطينيين.

مما لا شكّ فيه أنّ التعاون حول احتواء العدو المشترك (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) مستمرٌ ومتسعٌ إلى مستوى معيّن، إلّا أنّ رغبة السعودية في مواصلة المحادثات التي تجري بوساطة عراقية، تُظهر النهج المختلف للحكام السعوديين، الذين قد يفصلون طريقهم، في ظروفٍ معينة، عن الهيئة الحاكمة في إسرائيل.

إضعاف الصين في الشرق الأوسط
لعلّ أنجح نتائج سفر بايدن إلى السعودية والمفاوضات المباشرة مع قادة الدول العربية هو احتواء الصين، فالاتفاق بين البلدين على توسيع شبكة الاتصالات والهاتف المحمول الأمريكية من الجيلين الخامس والسادس، وشبكة الوصول إلى الراديو المفتوح، من شأنه أن يضع حدوداً لارتباط المعلومات بشركة الطيران الصينية.

تعتبر إدارة بايدن العودة إلى المشاركة الفعّالة في الشرق الأوسط والاستثمارات التجارية والتكنلوجية المؤسسة، جزءاً من استراتيجية احتواء الصين في العالم.

على الرغم من أنّ المملكة العربية السعودية لا تتخلى عن علاقاتها التجارية والتكنلوجية والعسكرية مع الصين، إلا أنها تعطي وزناً أكبر نسبياً للتجارة مع الولايات المتحدة.

يمكن أن يوفر استمرار أو زيادة التوتر بين الولايات المتحدة والسعودية ودول أخرى في الشرق الأوسط، فرصة جيدة للصين لتوسيع نفوذها في إحدى أهم طرق عبور الطاقة الأحفورية في العالم.

زيادة إنتاج النفط
لم تحقق إدارة بايدن نجاحًا ملموساً في مجال زيادة إنتاج النفط السعودي، الذي قد يؤدي إلى تحييد الضغط الروسي، ويؤدي في نهاية المطاف إلى خفض سعر البنزين والمنتجات الأخرى المنتجة من الوقود الأحفوري.

فقد أعلنت السعودية أنها لن تتخذ قرارا مستقلاً وأنها ستطرح الموضوع في اجتماع أوبك المقبل وستلتزم بقرار جماعي. في هذه الحالة، ومع أخذ علاقات حكام السعودية مع مسؤولي الكرملين بعين الاعتبار، فإن احتمالية حدوث تغيير كبير ذي شأن في سوق النفط العالمية ليست عالي.
من ناحية أخرى، تتمتع المملكة العربية السعودية بمزايا في المحافظة على أسعار النفط المرتفعة ولا تريد تجاهل المصادر المالية الجديدة.

*المصدر: DW فارسي
*علي أفشاري: محلل سياسي إيراني معارض مقيم في واشنطن
*الصورة من النت