أخبار وتقارير
عبر الواسطات… الشقق السكنية تذهب للمقربين من قيادات الفصائل المسلحة شمال سوريا
يامن الخالد/ ريف حلب الشمالي
تزايدت أعداد المستوطنات السكنية التي يتم بناؤها بدعم من الاحتلال التركي والمنظمات الإنسانية العاملة في المناطق المغتصبة بريف حلب الشمالي، وبحسب المسؤولين الأتراك والمنظمات المساهمة ببناء المستوطنات، فإنه يتم بناء تلك المستوطنات لإيواء النازحين والمهجرين السوريين ضمن خطة “العودة الطوعية” التي أطلقتها حكومة الاحتلال التركي، بهدف إعادة نحو مليون لاجئ سوري في تركيا إلى الشمال السوري، لكن الوقائع والمعلومات تشير إلى أن غالبية الشقق السكنية تذهب لصالح أشخاص موالين للاحتلال التركي ومقربين من قيادات الفصائل المسلحة.
“المحسوبية” و “فلان محسوب على القيادي فلان” كلمات باتت كثيرة التداول مؤخراً بين العائلات النازحة والمهجرة المقيمة ضمن مناطق الاحتلال التركي في ريف حلب الشمالي، وذلك تعبيراً عن مدى وجود أعداد كبيرة من الشقق السكنية ضمن المستوطنات حديثة الإنشاء، والتي تكون من نصيب أشخاص محسوبين على قياديين ضمن الفصائل الموالية للاحتلال التركي، في حين يحرم النازحون والمهجرون من هذه الشقق.
“أي شخص لديه واسطة يمكنه استلام شقة سكنية خلال ساعات قليلة ودون عناء” بهذه الكلمات بدأ “محمد عبد السلام” حديثه لشبكة آسو الإخبارية، وهو مهجر برفقة أسرته من ريف حماة الجنوبي ويقطن في مدينة الباب المغتصبة بريف حلب الشمالي، وحاول عدة مرات الحصول على شقة في قرية سكنية مدعومة من “الهلال الأحمر القطري” و “الهلال الأحمر التركي” ومنظمات إنسانية محلية لكنه لم يحصل عليها بحجة أنه لا يستحقها.
وأضاف “عبد السلام” أن “فريق ملهم التطوعي” من أبرز المنظمات القائمة على مشروع القرية والتي تسمى “المدينة السكنية” بالقرب من مدينة الباب، وقد استطاع الكثير من العناصر المقربين من القادة العسكريين للفصائل الموالية لتركيا الحصول على شقق داخل هذه القرية، رغم أنهم يعتبرون من أصحاب الثروات المالية ويملكون سيارات فارهة.
تعاني الكثير من العائلات المهجرة من الفقر وتجبر على دفع إيجارات شهرية عالية داخل مدينة الباب، ومن المفترض أن تذهب الشقق السكنية لصالح تلك العائلات، في حين يتواطئ القائمين على الشقق السكنية مع القادة العسكريين، مع غياب الرقابة على عمل المنظمات وعدم وجود آلية محددة للتوزيع العادل، على حد تعبير عبد السلام.
وأشار “عبد السلام” إلى أن هناك شقق سكنية كثيرة لم يسكنها أحد، وقد توقف توزيع الشقق منذ عامين أي بعد افتتاح القرية بأيام قليلة عام 2019، ويرجح بأن الشقق ممنوحة لعائلات عناصر وقياديين ضمن الفصائل بهدف الحصول على الحصص الغذائية الشهرية وبيعها والاستفادة من المساعدات الإنسانية أحياناً.
“سليمان الصطوف” (اسم مستعار) وهو طالب جامعي ينحدر من بلدة سفوهن في ريف إدلب الجنوبي ويقيم في مدينة إعزاز، قال لشبكة آسو الإخبارية أنه بتاريخ 16 أيار الفائت، افتتحت عدة منظمات إنسانية بالتعاون مع “جمعية الحكمة الكويتية” و “وقف الديانة التركية” مستوطنة سكنية لإيواء النازحين والمهجرين في مدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي، لكن غالبية المتقدمين للحصول على شقق سكنية داخل هذه القرية تم رفض طلباتهم، وجرى تسليم العديد من الشقق السكنية لأشخاص موالين للاحتلال التركي والفصائل المسلحة.
تقدمت بطلب للحصول على شقة لأسكن فيها مع زوجتي وأطفالي الثلاثة ووالدي، لكن تم رفض طلبي من قبل القائمين على توزيع الشقق السكنية في القرية، بحجة أنني طالب جامعي وأدفع أقساط الجامعة وأن لدي قدرة مالية تؤهلني لاستئجار منزل، وكحال الكثير من المهجرين عدت للبحث عن مأوى لعائلتي، وقمت باستئجار غرفة واحدة لي لمتابعة دراستي بينما أرسلت عائلتي للسكن في أحد مخيمات منطقة أطمة في ريف إدلب الشمالي، على حد قول “الصطوف”.
وأضاف الصطوف أنه يعرف العديد من القائمين على القرية السكنية، أحدهم من بلدة جوزف في ريف إدلب ويعمل لدى منظمة” نماء للتنمية” يدعى” محمد أبو الغيث” وهو شقيق أحد العسكريين في فصيل “فرقة السلطان مراد” التي تسيطر على غالبية المدينة، وقد قام أبو الغيث بتفضيل الكثيرين من أهالي بلدته من الموالين لتركيا وفصائلها في الشمال السوري، كما أن إحدى الموظفات تدعى “سهى درويش” من مدينة حمص تعمل لدى منظمة “نماء للتنمية”، قامت بجلب العديد من العائلات ممن تعرفهم.
مؤكداً، بأن هذه المعلومات استطاع الحصول عليها من قبل أقارب وأصدقاء له داخل المستوطنة والذين حصلوا على شقق فيها بعد أن انتهى دور توزيع الشقق للمحسوبين على المسؤولين في المنظمات والقياديين، والذين حصلوا على منازل بعد عناء وشكاوى وجهد كبير، مطالباً بضرورة وضع حد لظاهرة “المحسوبيات” التي تنتشر عند توزيع الشقق السكنية في المستوطنات التي تم بناؤها على أساس خدمة المحتاجين ونقل النازحين والمهجرين من المخيمات إلى كتل إسمنتية.
انتشار المحسوبية والواسطة ليست بالظاهرة الجديدة بل تكاد تنتشر في جميع مناحي الحياة ضمن المناطق المغتصبة من الاحتلال التركي في ريف حلب الشمالي.
ازدياد معاناة المهجرين في مخيمات النزوح، وصعوبة استئجار المنازل في ظل الظروف المعيشية الصعبة، يدفع بالمهجرين للحصول على شقق سكنية وحصولهم على المساعدات الإنسانية القادمة إلى المستوطنات.
“منهل الغابي” ناشط إغاثي سابق يقيم في مدينة إدلب قال لشبكة آسو الإخبارية، أن جميع المنظمات العاملة في الشمال السوري متواطئة مع الفصائل المسلحة، والقرى السكنية التي يتم تشييدها ليست إلا باباً للارتزاق من قبل الأطراف المستفيدة مثل القياديين ومسؤولي المنظمات الإنسانية والمدنيين المحسوبين على القياديين والمسؤولين.
ويضيف الغابي أن علاقة القادة العسكريين بمسؤولي المنظمات هي علاقة مصالح متبادلة، إذ يغطي قيادات الفصائل المسلحة على قضايا الفساد في المنظمات، مقابل حصوله على شقق سكنية ومساعدات إنسانية.
الشقق السكنية تذهب في غالبيتها لأصحاب “الواسطات” الذين يأتون عن طريق توصية من قبل قياديين، كما أن استلام المساعدات أيضاً يجري بذات الطريقة، حيث يستلم المحسوبين على الفصائل كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية، وهذا هو الحل في سائر المؤسسات المدنية، على حد وصفه.
افتتحت مؤخراً الكثير من المستوطنات السكنية بدعم وتمويل من تركيا وقطر والكويت وفلسطين ومنظمات محلية، ضمن مناطق ريف حلب الشمالي الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية للاحتلال التركي، من بينها “قرية بذور فلسطين” في بلدة إعزاز وتحتوي القرية على 94 ألف شقة سكنية، و قرية “السلام الكويتية” الواقعة في بلدة جنديرس وتحتوي على ثلاثة آلاف شقة سكنية، و قرية “الخير” في بلدة إعزاز وتحتوي على 100 شقة سكنية، وقرية “بسمة” في مدينة عفرين وتحتوي على 350 شقة سكنية، وقرية “حبيب الرحمن” في بلدة مارع وتحتوي على 204 شقة سكنية، وغيرها الكثير من المستوطنات.
وتدعي الجهات الممولة لمشاريع الاستيطان بأنها تهدف لنقل النازحين والمهجرين من الخيام إلى كتل سكنية تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء، إلا أن هذه المشاريع تأتي في إطار سعي حكومة الاحتلال التركي للتلاعب بالهندسة الديمغرافية للمنطقة بغطاء إنساني، على يد الفصائل المسلحة والعديد من المنظمات الدولية والمحلية.