Connect with us

مدونة آسو

خطاب الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي: مخاطر وتحديات

نشر

قبل

-
حجم الخط:

هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع إعلام يجمعنا، حول” تعزيز دور الإعلام في محاربة الإستقطاب وخطاب الكراهية من أجل مجتمع متماسك”.

خضر الجاسم
إن الهدف الأساسي من اختراع مواقع التواصل الاجتماعي هو تقريب المسافات بين الناس وتعزيز الروابط الاجتماعية بين مختلف دول العالم. لكن، في الآونة الأخيرة، تحولت هذه المواقع إلى مسرح لخطاب الكراهية والتحريض والتمييز ضد بعض المجموعات أو الأفراد، لتخالف الغرض التي أنشئت من أجله، وتهدد قيم التسامح والحوار والعيش المشترك.

ومن الملاحظ أن مواقع التواصل الإجتماعي، مثل فيسبوك وتوتير وإنستغرام، وغيرها، تشهد انتشاراً متزايداً لخطاب الكراهية ضد الأقليات والمجموعات المهمشة والمضطهدة.

وقد ربطت بعض الدراسات بين خطاب الكراهية على الإنترنت وزيادة أعمال العنف والإرهاب والتطرف في العالم. في المقابل ذلك، أثار هذا الواقع تساؤلات حول دور الشركات المالكة لهذه المواقع، والدول في حماية حقوق الإنسان، خصوصاً حق الحرية في التعبير وحق الحماية من التمييز وخطاب الكراهية.

هذه المواقع تمكن المستخدمين من إيصال أفكارهم وآرائهم إلى جمهور واسع بسرعة وسهولة، لكن بعضهم يستغل هذه الفرصة لنشر رسائل كراهية وتحريضية ضد بعض المجموعات الإجتماعية، مثل؛ الأقليات واللاجئين والمهاجرين والنساء والأطفال. تزرع هذه الرسائل العداء والتفرقة والتمييز والعنف، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. وتستخدم، أحياناً، كمنصات لإظهار آراء كراهية أو تحريضية ضد فئات محددة من المجتمع، بلغة مسيئة أو صور مهينة أو فيديوهات عنيفة. ناهيك عن تضخيم خطاب الكراهية بشكل عدواني، بسبب طبيعتها التفاعلية والشبكية التي تسمح بنشر ومشاركة وتعليق وإعادة تغريد المحتوى المسيء بسرعة هائلة، والوصول إلى جمهور أوسع وأكبر.

خطاب كراهية أم حرية تعبير؟
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، سواء التقليدية أو الجديدة، عاملاً مهماً في تفاقم ظاهرة خطاب الكراهية، فبعض هذه المواقع والوسائل تنقل ما يحدث على أنه حرية تعبير، وتنشر وتكبر من الخطاب المسيء أو المحرض ضد بعض الأفراد أو المجموعات الإجتماعية. 

فبدلاً من أن يكون المحتوى رافعاً لقيم الحقيقة والتسامح، تصبح وسيلة لبث سموم التمييز والكراهية تجاه الآخرين حتى من أبناء الجلدة الواحدة أحياناً. فبسبب طبيعتها التفاعلية والشبكية، تسمح هذه المواقع وأيضاً الإعلام بإيصال رسائل الكراهية إلى جمهور واسع ومتنوع، وتعزز من تأثيرها على الرأي العام. 

وفيما يلي بعض الأمثلة التي توضح دور مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام في تأجيج وترويج خطاب الكراهية، حيث قام المدعو سلوان موميكا، بحرق نسخة من القرآن الكريم، تحت دعاية حرية الفكر والتعبير إلا أن هذا الفعل يبطن خطاب العنف والكراهية تجاه المسلمين. كما وأقدمت منذ فترة وجيزة الإعلامية اللبنانية نضال الأحمديَّة، صاحبة مجلة جرس، ببث خطاب التمييز والعنصرية تجاه السوريين في لبنان.

الخصوصية على المحك
من الواضح أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مسرحاً للكراهية والتمييز، حيث ينشر الناس منشورات تحمل في طياتها السخرية والاستهزاء بالآخرين، ويتلقون من خلالها تعليقات تفوقها في السوء والانحطاط. فلا يكتفي البعض بالتعبير عن رأيهم بأدب واحترام، بل يلجأون إلى التجريح والتدخل في خصوصيات الناس، ويسعون إلى جمع أكبر عدد من الإعجابات على حساب مشاعر الآخرين. وهكذا تفقد مواقع التواصل الاجتماعي دورها الحيوي، وتصبح أداة لإثارة الفتنة والبغضاء بين المجتمعات. 

هناك الكثير من مواقع التواصل الإجتماعي أو المحطات التلفزيونية أو الصحف تستخدم لغة مسيئة أو صور مزورة أو إحصائيات مغلوطة لإثارة الكراهية ضد بعض المجموعات، مثل، المهاجرين أو المسلمين أو النساء. 

ومن الأسباب التي تدفع بعض الأفراد إلى نشر خطاب الكراهية على مواقع التواصل الإجتماعي أو وسائل الإعلام، يمكن ذكر: مساحات كبيرة من خطاب الإستقطاب حيث يقوم بعض الأفراد (أصحاب المحتوى، أو المؤثرين) بعرض أنماط حياتهم على متابعيهم، سواء كان ذلك في شكل المظهر أو الملبس أو المنزل أو السيارة أو الطعام أو السفر أو الأحداث العائلية وغيرها، مما قد يثير نوازع الكراهية عند بعض المشاهدين نتيجة التفاوت المعرفي والطبقي للمجتمع في ظل الظروف الحالية.

الذباب الالكتروني من منصة لمواقع التواصل الاجتماعي لنشر الكراهية 
الذباب الالكتروني هو مصطلح يُستخدم لوصف مجموعة من الحسابات الوهمية، التي تنشط على مواقع التواصل الإجتماعي، بغرض التأثير على الرأي العام أو نشر خطاب الكراهية أو المعلومات المضللة وممارسة الحرب الخاصة على الخصوم سواء أفراد أو مجموعات أو سلطات محلية.

ومن الجلي أن يشاهد في كثير من الأحيان على مواقع التواصل الإجتماعي بعض الحسابات تقوم بنشر منشورات أو تغريدات مؤيدة لسياسات حكومية معينة أو مهاجمة حكومات أخرى، بدون كشف هوية صاحب الحساب أو مصدر التغريدات.

ينشر هؤلاء ضمن حسابات وهمية أخباراً كاذبة أو مزورة عن أفراد أو جماعات أو سلطات محلية، بهدف إيقاد نار العنصرية والتمييز وخطاب الكراهية بين أبناء الشعب الواحد وتفكيك النسيج الإجتماعي من الداخل. كما ينشر هؤلاء تعليقات تنتقص من شرف فئات إجتماعية محددة، بسبب ديانتهم أو جنسيتهم أو جنسهم أو غير ذلك، وتستهزئ بهويتهم وتاريخهم العريق، وهذا يؤدي إلى تشويه الحقائق وبث الخوف والشائعات، وإغراء الناس إلى التطرف والعنف والإرهاب، وتضليل الرأي العام والتأثير على سياسات السلطات المحلية، وزعزعة التسامح والتضامن والإندماج بين المجتمعات المتنوعة، مما يؤدي إلى تفاقم التفرقة والصراع والإنقسام، وتهديد الديمقراطية وحقوق الإنسان. 

وفي ظل انتشار المحتوى المحرض على خطاب الكراهية والتمييز على بعض المنصات الرقمية ومواقع التواصل الإجتماعي، تواجه المجتمعات تحديات جديدة في حماية حقوق الإنسان والسلام. كما تواجه بعض السلطات المحلية صعوبات في تطبيق القوانين في العالم الإفتراضي دون المساس بحرية التعبير.

خلاصة
وبرغم أن هناك مبادئ عالمية تحمي حق الأفراد في حرية التعبير والرأي، فإن هذا الحق لا يبرر التحريض على العنف أو الكراهية أو التمييز ضد الآخرين بسبب هويتهم أو انتمائهم. لذلك، كان من الضروري وضع تعريف شامل وواضح لخطاب الكراهية، يستند إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يعتبر أن خطاب الكراهية هو ”أي شكل من أشكال التعبير ينشر أو يشجع أو يحث أو يبرر الكراهية أو التحقير أو التمييز أو العداء ضد شخص أو مجموعة من الأشخاص بسبب هويتهم“. 

ولكن، هل يكفي وجود تعريف لخطاب الكراهية للحد من انتشاره؟ بالتأكيد لا. فالتعريف لا يغني عن السياسات والتشريعات والآليات التي تضمن تطبيقه ومحاسبة المخالفين. وهذا ما تفتقده الكثير من الدول، التي تغض الطرف عن خطاب الكراهية، أو تستخدمه كأداة للسيطرة على المعارضة، أو تفشل في حماية ضحاياه. لذلك، يجب على المجتمع الدولي والإقليمي والوطني، بذل المزيد من الجهود لإصدار سياسات وقوانين واتفاقات تحظر خطاب الكراهية، وتحترم حق الأفراد في حرية التعبير، بشرط ألا يتضمن ذلك انتهاك حقوق الآخرين. كما يجب توعية المجتمعات بأضرار خطاب الكراهية، وتشجيع المبادرات التي تسهم في بناء جسور التفاهم والتضامن بين مختلف الفئات والجماعات. فقط بهذه الطريقة، يمكن أن نصل إلى عالم أكثر سلاماً وانسجاماً.

*الصورة من النت