مدونة آسو
وصم المناطق الشمالية والشرقية بصفات سلبية تقلل أهميتها وتعزيزها في وسائل الإعلام
هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع إعلام يجمعنا، حول” تعزيز دور الإعلام في محاربة الإستقطاب وخطاب الكراهية من أجل مجتمع متماسك”
سارة محمد
توصم المناطق الشمالية والشرقية في سوريا ومنذ عقود طويلة، بصفات سلبية تقلل من أهميتها انعكست بصورة سلبية عليها، حيث عملت وسائل الاعلام السورية على تعزيزها، الامر الذي خلق الانقسامات الاجتماعية والثقافية، فيما تنوعت سبل ترسيخ هذا الوصم بهدف تنميطه وترسيخه في الاذهان، فقد استخدمت ألفاظ وتعابير نمطية تقلل من قيمة ومكانة المنطقة، فتم تصوير أبناء المنطقة على أنهم أقل قيمة، ومكانة وتعليما وتقدما من باقي المناطق السورية وخاصة العاصمة.
كما أن وسائل الاعلام لعبت دورا كبيرا في تنميط المنطقة، من خلال تركيزها على أن المنطقة أقل تطورًا وحضارة وصورتها على أنها مكان للعقوبة فقط في برامج تلفزيونية، والأعمال الدرامية، ما خلق صورة سلبية عن أبناء المنطقة، بينما أثر التنميط المسبق والممنهج، وتجاهل كافة الجوانب الإيجابية، سلبًا على العلاقة بين أهالي المنطقة، وباقي المناطق السورية، وخلق نوعًا من الرفض فيما بينها الأمر الذي أدى إلى نوع من التمييز العنصري، وعدم المساواة مع باقي المناطق، والظلم تجاه أبناء المنطقة.
دور الإعلام السوري في تنميط الصورة السلبية في الأذهان
تلعب وسائل الإعلام دورا محوريا في تعزيز الصورة السلبية، وصفات تقلل من قيمتها تجاه المناطق الشمالية والشرقية، أثرت سلبا على الصورة المجتمعية والتنمية في المنطقة، فقد عملت وسائل الاعلام منذ عقود على تكريس نظرة قلة الأهمية تجاه أبناء المنطقة وإظهارهم بمظهر المتخلف، وإهمال محاسن المنطقة وميزاتها العلمية، والفنية وتنوعها الاجتماعي والاقتصادي.
يرى هشام عرفات “إعلامي” أن إطلاق مصطلحات مثل المناطق النامية و(الشوايا والتخلف) على المناطق الشمالية والشرقية، وأهلها كان الهدف منه إظهارها بصورة سلبية وضعيفة، ولتبرير تجاهلها أو تهميشها “السبب الرئيسي للتهميش كان وجود المجتمع الكردي، كمكون أساسي في المنطقة والغاية منه طمس معالم الهوية التاريخية للجزيرة السورية، ومحو كل أثر له علاقة بذاكرة تلك الهوية أرضًا وشعبًا، بدءًا بتعريب أسماء القرى والبلدات الكردية وانتهاءًا بتوزيعها على مستوطنين، تم استقدامهم من محافظات أخرى تحت مسمى الحزام الأخضر، وهو مشروع هدفه بناء سياج عروبي حول موطن المكون الكردي وعزله نهائيًا”.
يوضح عرفات الهدف الثاني من نشر الصورة المغلوطة عن أبناء المنطقة، يكون بترسيخ التخلف والإبقاء عليها بشكلها الإقطاعي، وهي استراتيجية متبعة في كثير من الدول لتسهيل السيطرة عليها، (لكي تنجح في السيطرة على مناطق الموارد كالنفط والزراعة، يجب الإبقاء على حالة التخلف فيها، ومنع إنشاء معامل كي لا يتحول المجتمع إلى الرأسمالية)، موضحًا أن سلوك العمال ونمط حياتهم يختلف عن نمط حياة الفلاح، فالعامل يخطط للدراسة وتطوير مهاراته لأجل الترقية الوظيفية، وهذا يؤدي إلى التطور (يهدد التطور السلطات الحاكمة خاصة إذا ظهرت نخب مثقفة تطالب بالتوزيع العادل للثروات).
وعن دور الإعلام السوري في ترسيخ الصورة النمطية تجاه أهل مناطق الشمالية والشرقية، يقول الإعلامي هشام عرفات إن وسائل الاعلام اتبعت سياسة التضليل أو التشوية المبطن “ففي برنامج في _رحاب الجزيرة_ الذي يعرض على شاشة التلفزيون السوري بشكل أسبوعي، لم يكن هناك ذكر لوجود المجتمع الكردي أبدًا، بل كان يكتفي بإظهار العنصر الآشوري والسرياني والشركسي بنسب قليلة جدًا”، فتسليط الضوء كان مقتصرًا على العنصر العربي وإظهار مجتمعه بمظهر البدوي البدائي الذي يعيش في الخيم أو البيوت الطينية حسبما أوضح.
ويشير عرفات إلى دور الدراما السورية في تعزيز الصورة النمطية الدونية، فكثير من المسلسلات كانت تشير إلى الحسكة بالمنطقة النائية والبعيدة، والتي يرفض الموظف السفر إليها “في مسلسل _زوج الست_ الممثل حسن عويتي أدى شخصية نائب مدير عام فاسد في مؤسسة حكومية كبيرة، فكان كلما يشعر بالخطر يردد عبارة _ولي رح تنقلني على المالكية_ فتصوير الفكرة بهذا الكم من الخوف، حتمًا سيرسم صورة سلبية”.
ويعتبر عرفات تأثيرات خطاب الكراهية له أوجه متعددة ومنها ما يسبب ردة فعل معاكسة، كتأجيج الكراهية بين المكونات المجتمعية، فتخلق نوعًا من الحساسية بين المكونات “فالكردي يتحسس من العربي لأن التلفزيون السوري يشير إلى قسد بالقوات الكردية، وينعتها بالانفصالية، أما تلفزيون سوريا وأورينت ينعتهم بالإرهابيين”، مؤكدًا أن مثل هذه الصورة في الإعلام ترسخ الكراهية، فالمكون العربي ينظر للكردي على أنه سلطة قامت بإقصاء العرب.
ويرى الإعلامي هشام أن الإحباط والارهاق أو الطاقة المستنزفة، هي من الآثار الواضحة لخطاب الكراهية “كثير من العائلات الكردية التي التقيتها في القامشلي تردد عبارة: ليتنا لم نكن أكراد فما حصدناه من الحرب، هو أن الكل من حولنا باتوا أعداءنا” منوهًا أن العنصر العربي لم يسلم من هذا الإحباط أو الطاقة المستنزفة فكثير منهم ردد أمامه تأثرهم بسياسة الاقصاء، والتهميش في المنطقة، والتي كانت تصورهم كقوة مؤيدة لنظام البعث حسبما أورد.
ويؤكد عرفات أن تجاوز هذه النظرة الدونية، يكون بتكثيف البرامج التي تصور واقع المنطقة، ونشر الافكار في المسلسلات والأغاني، وذلك لبناء ذاكرة جمعية جديدة لدى الجيل الجديد في سوريا، ومحو الذاكرة المشوهة تدريجيًا.
تعزيز الصورة النمطية السلبية للانقسامات تجاه مكونات المنطقة
يعتبر وصم المناطق الشمالية والشرقية بصفات تقلل من أهميتها، نوع من التنميط السلبي المتوارث وتعزيز نظرة الاستهزاء تجاه المنطقة وأبنائها عبر وسائل الاعلام، حيث شملت لغات وعادات وتقاليد المنطقة، الذي يظهرها بمظهر المتخلف، ما انعكس سلبًا على قيمتها ومكانتها، بينما لعبت الحكومة السورية دورًا محوريًا في التنميط فعززت الصورة النمطية نوعًا من التمييز الاجتماعي والثقافي، من باقي المكونات السورية تجاه سكان المنطقة على اختلاف مكوناتها.
يصف آراس بيراني “كاتب وباحث” اعتماد الآخرين في وصف غيرهم بنمطية سلبية متوارثة دون تحليل صدقها من افترائها بالتنمر المجتمعي، وممارسة للعنصرية بشكل واضح وشوفينية”بكل ما يتضمنه هذا المصطلح من معان قاتمة على صعيد الممارسة، والصورة النمطية -التي توارثها شعبيًا سكان سوريا_ الطافحة بالاستهزاء والحقد لسكان المناطق الشمالية والشرقية” موضحًا أن الحقد والاستهزاء شمل لغات، وعادات وعقائد أهل المنطقة، فهم في نظر سكان العاصمة أو الساحل أو جنوب سوريا “مجموعة من الغوغائيين البدو، أو قرويين وهمج لا يعرفون دين، ولا يتقنون الحديث باللغة العربية”.
ويوضح بيراني أن الهدف من التنميط الذي أطلق على أبناء المنطقة، هو خدمة لأجندات سياسية، فقد عمدت الحكومة على تصوير الكردي الذي يعيش على أرضه منذ عقود موغلة في القدم بالملحد، والانفصالي والعدو وعميل للجهات المعادية للقومية العربية، فيما يرى أنه لا يمكن إطلاق هذا الوصف على جميع أبناء المناطق السورية الأخرى “هناك أشخاص سنحت لهم الفرصة للقاء والحوار والتعارف والاطلاع على تاريخ الكرد وثقافاتهم”.
يؤكد بيراني استمرار الصورة النمطية ما هو إلا إهانة للكرد وإنكارًا لتضحياتهم في سبيل البلاد، ودورهم في التقدم في جميع المجالات، “ساهمت الصورة النمطية في نمو الأحقاد والضغائن، وهو ليس مقتصرًا على باقي المكونات السورية، وإنما في أماكن أخرى من العالم مثل إيران وتركيا والعراق وعززت خطاب الكراهية وساهمت في سياسة التباعد والعزلة وما تطور الأزمة السورية وتعقيداتها إلا نتيجة التركيز على نمطيات بعيدة كل البعد عن أخلاقيات المكون الكردي، وباقي مكونات المنطقة”، مبينًا إثبات العديد من الشخصيات وجودها، ليس على المستوى المحلي وإنما على المستوى العالمي وفي كافة المجالات.
لا ينكر بيراني دور الحكومات السورية المتعاقبة منذ عقود في تعزيز النظرة الدونية في سبيل تنميطها لدى مختلف مكونات الشعب السوري الأمر الذي ترك أثرًا سلبيًا كبيرًا، في تنشيط وديمومة العزلة بين الفئات والمكونات السورية “في ظل ممارسة نظام تعليمي وإعلام مركزي، همش وغيب الكرد في المناهج الدراسية، وغياب كلي لشخصية الكردي في الأفلام السينمائية أو الدراما التلفزيونية، خاصة المتعلقة بفترة الاحتلال العثماني أو مقارعة الانتداب الفرنسي للبلاد”، وظهورها في بعض الأعمال مجرد أدوار تدعو للتهكم والتنمر ما رسخ الصورة النمطية السلبية لدى المشاهدين حسبما ذكر، “واظبت المسلسلات على تركيز فكرة مفادها أن دير الزور أو القامشلي، مناطق عقابية عندما يرد التهديد على لسان مدير مؤسسة بجعل المناطق الشمالية والشرقية مركزًا عقابيًا ومكانًا للنفي”.
يؤكد الباحث والكاتب بيراني أن المجتمعات السورية بمختلف بيئاتها، تشهد انعزالًا عن البيئة رغم ضيق الرقعة الجغرافية وقرب المسافات الفاصلة بين المناطق السورية، “نسمع كلمة شاوي والمراد منها التخلف والبداوة، والبعد عن التكنولوجيا والسذاجة، وهم لا يعلمون أن أبناء ذاك الشاوي ضباط وأطباء، ومحامين ومهندسين، ونسمع كلمة كردي بصيغة شتيمة”.
ويبين بيراني أن غياب حقيقة الأديان وجوهرها الإنساني وغياب المنطق والوعي، وممارسة سياسة تعليم وإعلام موجه والجهل بثقافات سورية ومكوناتها، “يتحمله الواقع السياسي إضافة إلى الدور الشعبوي الببغائي، وقصور الإعلام المحلي من صحافة وتلفزيون في نشر حقيقة مكونات المناطق الشمالية والشرقية”، موضحًا أن تجاوز هذه الصورة النمطية هو بالاندماج بين مختلف المكونات، والحوار فيما بينها وإضاءة الجوانب الحياتية للمناطق الشمالية والشرقية.
دور الدراما السورية في تعزيز وتنميط الصورة السلبية لأبناء المنطقة الشمالية والشرقية
يظهر تأثير وصم المناطق الشمالية والشرقية بصفات تقلل من أهميتها، والعمل على تنميط الصفات السلبية بصورة واضحة في الأعمال الدرامية السورية، التي كانت منبرًا لبث صورة مغلوطة، وغير عادلة عن المنطقة وأبنائها، متجاهلة التنوع الثقافي والاقتصادي والايجابي في المنطقة، الأمر الذي يعزز الانقسامات بين المكونات السورية وتنميطها بصورة التخلف والجهل.
يذكر حسن رمو “ممثل مسرحي” أن اهتمام الدراما السورية كان مقتصرًا على العاصمة دمشق، “جميع الأعمال الدرامية تدور حولها ومسألة ذكر المناطق الشمالية والشرقية كان كمناطق عقابية، واعتراف ضمنا بأنها مناطق نائية، وهذا الأمر بحد ذاته نقطة سلبية”، فالمنطقة حسب رأيه تتوفر فيها كافة الإمكانات للتقدم والتطور.
ويوضح رمو أن تهميش المنطقة سبب أساسي لهذه النظرة الدونية، التي تم توظيفها في الإعلام بمعرفة أو عدم معرفة، والعمل على عدم إظهار أبناء المنطقة من الفنانين، أو إظهار مواهبهم بل إبقاؤهم كأشخاص من مناطق نامية” فالفنان عندما يتم إشراكه في عمل فني وبشخصية من أبناء المنطقة، يظهر وهو يتحدث بلغة عربية ضعيفة حسبما أوضح.
ويتذكر رمو مواقف مر بها خلال مسيرته الفنية أشعرته بالتهميش والنظرة الدونية، وذلك خلال مشاركته مع مجموعة من الفنانين من القامشلي في مهرجان بمصر (مهرجان الشباب) فقد تمت دعوتهم للمشاركة فيه، حصد الفنانون عبر مشاركتهم، جائزة أفضل عرض وأفضل نص، “لكن فوجئنا بمنعنا من قبل إدارة المهرجان المصرية، من التصوير في ساحة الإعلام ومن الاحتفال، حتى أن إدارة المهرجان أخبرتنا بأنه لا يحق لنا إظهار درع المهرجان، وذلك دون معرفة الأسباب”.
يرى رمو أن أبناء المنطقة كانوا مهمشين في كافة مجالات الحياة سواء في الجامعات، والبنى التحتية والمرافق العامة “فكيف لا نكون مهمشين بالفن فعدمم نقل صورة الحياة هو تهميش”.منوهًا إلى وجود أعمال وتحمل وترسخ هذه النظرة الدونية من خلال إظهارهم أناس أغبياء حتى في مظهرهم الخارجي “فمثلا حلقة _كندا_ من مسلسل بحجم بقعة ضوء كان انعكاسًا للواقع في ترسيخ النظرة الدونية تجاه أبناء المنطقة فقد أظهرت ابن دير الزور أنه شخص سطحي، وابن الحسكة لا يجيد التحدث باللغة العربية، أو عندما تذكر المناطق الشرقية في المسلسلات السورية فهو كنوع من العقوبة”.
ويحمل رمو الحكومة السورية وأبناء المنطقة من كتاب الدراما مسؤولية ترسيخ الصورة النمطية وتعزيزها “لا يستطيعون تصوير مسلسل عن منطقتنا لأنهم سوف يظهرون بمظهر المتناقض فكيف يصورن أنفسهم بالتطور ولا تزال المنطقة الشمالية والشرقية بحاجة للتطوير في المجال الخدمي والعمراني وهذا مايعرضهم للنقد، لذلك يكتفون بإبراز المجتمع الدمشقي، بينما واكب الكتاب من أبناء المنطقة ماهو دارج في الدراما ونأوا بأنفسم عن هموم المنطقة” مؤكدًا عدم قيام الكتاب بكتابة سيناريوهات لمسلسلات تلفزيونية تصور واقع المنطقة بصورة صحيحة وواقعية تعكس مجتمعاتها وقثقافاتها وعلاقاتها فيما بينها.
*الصورة من أرشيف الشبكة