Connect with us

مدونة آسو

انتهاك حق الملكية في مناطق النزاع

نشر

قبل

-
حجم الخط:

هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع “المرأة” حول حقوق الإنسان والحريات العامة.

آلاء ملا أحمد

حق التملك من الحقوق الأساسية لكل فرد في المجتمع بغض النظر عن عرقه ووضعه الاجتماعي وحالته الاقتصادية، حيث يمنح بموجبه الفرد حق الاستفادة من العقارات والممتلكات الخاصة به بحرية وحماية قانونية، ويشمل هذا الحق حماية الملكية الخاصة للأفراد والمؤسسات حيث يعتبر أساسا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمجتمعات.

تشهد فترة الأزمات والحروب تحديات فريدة تؤثر على حقوق الإنسان بشكل مجمل ومن ضمنها حق الملكية وتملك العقارات، ومن أبرز التحديات النزوح القسري والتشريد، حيث يجد السكان النازحون أنفسهم بحاجة إلى مأوىً آمن بعد أن يتم اضطهادهم وتهجيرهم من ممتلكاتهم العقارية الخاصة والاستيلاء عليها دون أن تتخذ الحكومات أو المنظمات الدولية أي إجراء لحماية حقهم في العودة إلى ممتلكاتهم بموجب القانون، إضافة إلى التدمير العشوائي الذي تتعرض له ممتلكات المدنيين في مناطق النزاعات والذي يفضي نهايةً إلى الاستيلاء على العقارات بطرق غير شرعية.

ولعل ما يزيد من وتيرة الانتهاكات بحق ملكية الأفراد تدهور النظام القانوني والمؤسسات القضائية في مناطق الحروب، الأمر الذي يصعب مهمة حماية حقوق الأفراد في التملك، ويصبح من الصعب الوثوق بالسجلات العقارية وتأكيد حقوق الملكية.

الحال الذي شهدته مناطق عدة في شمال وشرق سوريا إثر احتلالها من قبل فصائل مسلحة مدعومة من تركيا ” سري كانيه/ رأس العين، وكري سبي/ تل أبيض، وعفرين ” حيث تم الاستيلاء على عقارات وآراضي غالبية السكان المهجرين عن مدنهم بما تحتويها من ممتلكاتهم الخاصة.

وتشير الإحصائيات إلى الاستيلاء على أكثر من 5650 منزل سكني و1200 محل تجاري وصناعي في رأس العين وتل أبيض المحتلتين ونحو مليون دونم (100 ألف هكتار) من الأراضي الزراعية فضلا عن إفراغ 55 قرية من سكانها الأصليين، كما وثقت الإحصائية ذاتها تهجير نحو 150 ألف شخص من السكان الأصليين للمناطق المذكورة، وتم توطين أكثر من 2815 عائلة نازحة من مناطق سورية أخرى غالبيتهم من عوائل مقاتلي داعش في منازل المهجرين والاستيلاء عليها مع كامل مقتنياتها وذلك بحسب دراسة توثيقية أجرتها “رابطة تآزر للضحايا”، كما وثقت تآزر الاستيلاء على ما يزيد عن 4000 منزل سكني ومزرعة في منطقة عفرين المحتلة.

شهادات لمهجرين تم الاستيلاء على ممتلكاتهم
السيد “محمد أحمد” من أهالي رأس العين وقاطن في مدينة قامشلو/ القامشلي حاليا يروي تفاصيل الاستيلاء على منزله المكون من طابقين، تلقيت اتصال هاتفي من أحد الجيران في رأس العين يعلمني فيه بقيام أحد عناصر الفصائل المسلحة بعرض منزلي للبيع بقيمة 1000 دولار أمريكي، وأكد لي الجار ذاته خلال اتصاله بأن عملية البيع تتم للمرة الثانية على التوالي وذلك بعد نهب جميع محتويات المنزل من أثاث وأدوات كهربائية وحتى الملابس الخاصة بنا.

وتستذكر “روجين” من أهالي رأس العين منزلها في المدينة بعد نزوحها قسرًا لمدينة الدرباسية وإقامتها بمنزل متهالك غير صالح للسكن وتقول، تم الاستيلاء على منزلي مع كامل مقتنياته ومُنعت من العودة، كما قالت لي الساكنة الجديدة فيه “المنزل كان لكي وأصبح اليوم لي”.
تضيف روجين أعاني كثيرا في سبيل دفع الإيجار لمالك المنزل الذي اسكنه حاليا متسائلةً هل من العدل أن يسلب مني منزلي دون أي وجه حق.

هل يحرك المجتمع الدولي ساكنا في سبيل حماية حق ملكية الأفراد…؟
ينص القانون الدولي الإنساني العرفي على وجوب حماية ملكية المواطنين الخاصة ويجرم الاستيلاء عليها بالقوة، كما يمنع ميثاق العهد الدولي أي دولة محتلة لمنطقة أخرى من الاستيلاء على الممتلكات الخاصة بالمواطنين.

كما أفادنا “خالد جبر” حقوقي وباحث في مجال القانون الدولي، إن القانون الدولي واضح في مسألة منع وتجريم الاستيلاء على ممتلكات المدنيين الخاصة، وعلى الأمم المتحدة اتباع آلية تحث من خلالها الدول الأعضاء المنضوية تحت مظلتها كونها المظلة الأساسية لجميع الدول المؤيدة لقانون حقوق الإنسان والميثاق والعهد الدولي على الالتزام بالعهود والمواثيق الدولية التي من شأنها حفظ وحماية حقوق ملكية المدنيين.

مؤكدًا على أن المسؤولية تقع على عاتق الأمم المتحدة، إضافة إلى المنظمات الحقوقية التابعة لها بشكل مباشر، حيث تصنف عمليات التهجير القسري ضمن جرائم الحرب وفق القواعد الأساسية لما جاءت به محكمة الجنايات الدولية.

ويرى جبر أن الحل يكمن في اتخاذ الأمم المتحدة إجراءات قانونية عقابية بحق الدول الأعضاء المقدمين على الانتهاكات خلال النزاعات المسلحة، إضافة إلى نشر وترسيخ الثقافة الحقوقية لدى الدول الأعضاء.

صمت دولي يقابله ارتكاب المزيد من الانتهاكات
ويقول “جوان عيسو” حقوقي ومسؤول قسم العلاقات العامة في لجنة مهجري سري كانيه/ رأس العين، إن الصمت الدولي أمام جرائم الحرب المتمثلة بالاستيلاء على منازل وعقارات المدنيين في مدينة سري كانيه، يفسح المجال أمام المزيد من الانتهاكات المستمرة بشكل يومي، حيث تم الاستيلاء على نحو 80 إلى 90% من المحال التجارية في المدينة، كما تم افراغ 55 قرية في ريف المدينة من سكانها الأصليين، وتجريف ما يزيد عن 5 قرى بشكل جزئي، فيما تم تجريف قرية عين حصان في ريف المدينة بشكل كامل، وتحويلها لمقار ومراكز تدريب للقوات العسكرية التابعة لدولة الاحتلال التركي.

ويتابع عيسو حديثه مؤكدًا على عدم تلقيهم أي ردود فعل دولية أو تحرك إنساني إيجابي في سبيل تحقيق العودة الآمنة للسكان الأصليين، رغم قيام اللجنة باستقبال عدة وفود دولية رسمية في داخل المنطقة ويشير عيسو، قدمنا تقارير تشرح الواقع الإنساني المأساوي لمهجري مدينة سري كانيه القاطنين في مخيمات النزوح وعلى بعدة عشرات الكيلو مترات عن مناطقهم المحتلة، كما أرسلنا مذكرات احتجاج رسمية سواءً إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإلى الدولة الإتحادية الروسية، كما أرسلنا مذكرتين إلى السيد انطونيو غوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة وإلى بعض الدول العربية والجهات الرسمية وغير الرسمية دون تلقي أي رد فعلي.

إجراءات من شأنها المساهمة في استعادة حق ملكية الأفراد والمطالبة بها رسميا
فيما ينصح “عز الدين صالح” المدير التنفيذي لرابطة تآزر للضحايا، بأن الحل المتاح لحفظ وحماية ملكية المدنيين الخاصة يكمن في خطوتين أساسيتين، هما المشاركة الفعالة في التوثيق من خلال مشاركة الضحايا أنفسهم في توثيق الانتهاكات التي تعرضوا لها، إضافة إلى حفظ وترميم الوثائق الرسمية التي من شأنها إثبات الملكية في سبيل استعادة الحقوق المستولى عليها، وذلك لعدة أسباب أهمها أن الوثائق الرسمية تعد إثبات ملكية شرعي للعقارات، وتوفر الدليل القانوني القوي الداعم لحقوق المواطنين أمام السلطات القانونية والمحاكم.

ويشير صالح إلى ضرورة حفظ الوثائق الرسمية وترميمها عند الحاجة بغرض الحفاظ على حق الملكية ولاستعادة الممتلكات في حالات الاستيلاء غير الشرعي، كما قد يواجه الضحايا في حال فقدان الوثائق الرسمية صعوبة في استخراج نسخ موثوقة عنها لما يترتب عليها من إجراءات معقدة ومكلفة.

وهنا وجب التأكيد على الأثر الإنساني الكارثي الذي يترتب على ظاهرة سلب حقوق ملكية المدنيين في المناطق المتنازع عليها، وخلال الأزمات والحروب، فيما يتجلى بشكل واضح من خلال تدمير البنى التحتية للمناطق المحتلة، وزيادة حالات التشرد والفقر، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان التي يفترض أن تكون مصانة بموجب القانون الدولي والمواثيق والعهود العالمية لحقوق الإنسان.

وبالنتيجة يبقى الحل الأنجع بيد المجتمع الدولي، من خلال اتخاذ إجراءات فورية لوقف الانتهاكات وتعويض المتضررين وإعادة إعمار البنى التحتية المدمرة وتعزيز قدرات المجتمعات المحلية للتعامل مع التحديات الناشئة، ولن يتم ذلك دون تحقيق الالتزام العالمي بحماية حقوق المدنيين في مناطق النزاع، وتعزيز العدالة والاستقرار للوصول إلى تنمية مستدامة في مرحلة ما بعد الحروب.

*الصورة من النت