مدونة آسو
سوف تقف حائراً، وربما ستبكي طويلاً… قراءة في ديوان (راقصٌ آخر) للشاعر كاميران حرسان
أفين علو
صدر حديثاً عن اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان (HRRK) مجموعة شعرية للشاعر كاميران حرسان، بعنوان “راقص آخر”. جاء الديوان في (96) صفحة من القطع المتوسط, ويضم 64 نصاً متفاوتاً في الحجم.
(ما الذي سأفعله بيومي؟)
ما الذي سأفعله بيومي؟
ما الذي سأقوم به؟
أ ألتزم الصمت؟
جملٌ أسئلةٌ يفتتح الشاعر بها أبواب الخيال للقارئ منذ أول جملة كتبها، وربما أراد من ذلك أن يحفّز ذهن القارئ لمواجهة عوالم القصائد التالية ذات الصور الشعرية الغريبة والمواقف المدهشة:
أشبه زمجرة للغيم
عويلاً مبحوحاً
أسئلة تتدلى
أشبه كلمات مجففة
عبرات مجففة
نسيماً من الهباء
في عيون حمراء
يغمضها الوجع
أية جرأة لشاعر يكشف أسرار روحه، أية آلام عاشها قبل أن يصرخ ويبوح في ذات الوقت؟
ولكن يبدو واضحا بأنه قد خاض تجربة مؤلمة ومعاناة بلا حدود، تلك التي أسعفته في ذلك، بالإضافة لعمق تجربة شعرية طويلة، تجربة تعرف كيف يكون الشعر في أوج إغوائه وبوحه، ويكون الشعر طافحاً بالأحاسيس وبالمشاعر، ويكون تعبيراً وبلاغة عن رؤى ومواقف، عن تمزق ومعاناة:
يبدو أن معاناتي لن تنتهي وأن النجوم ستظل
رابضة بين سطور جبيني، عالقة في محنة
في وجوم لا تفيد ولا تضر
تنير وجودا أعمى
تثير عاطفة خرقاء، هدوءً عاقرا يعلو ويعلو
يطفو على اللامبالاة،
على الماء
كمثل غريق يتأمل
كاميران حرسان لديه أسئلة وجودية كاملة، هو شاعر ذو تجربة شعرية عالية، هو يحاول في ديوانه هذا أن يفصح عن داخله ويبوح بمعاناته من خلال هذه النصوص، وأن يفجّر لواعج التعب والمعاناة، ومن خلال تجربة عرفت جوهر الحياة ومعاناتها وهمومها، تجربة داخلية مليئة بالأحاسيس والمشاعر الدفينة:
جوهر البياض
سواد
والقطن رماد
واللين قسوة
الحزن نقاء
والمر دواء
والليل نجوم
شهب، نيازك ومذنبات
يلاحظ قارئ ديوان (راقص آخر) غربة المكان والأهل، معاناة ذاتية في الحنين والذكريات، حنين إلى مكان ما أو ربما انصهار في حب حد التلاشي، مآسي وعذابات، يصورها شعراً غارقا في تجارب صعبة لا يمكن تصورها أو رؤيتها، ربما كان على القارئ ان يكون مع الشاعر لحظة كتابته لهذه النصوص:
كان يروي ماضيا سحيقا
والغبار ينبعث من فمه
يتصاعد
يملأ فضاء الغرفة، أعيننا بالألوان
بحمحمة الخيل وسديم المكان
يبدو أن الشاعر كاميران حرسان قد استعان بلغة موحية، وإيقاعات متنوعة، وصور تزاحمت في قلبه لتشكل لوحات تصويرية مسقوفة بالرموز والتناص الشعري:
على ظله
يجثو كجندي
رمى في النبع خوذته
لغة الشاعر جميلة سامية وبهية قوية، كأنه روّض اللغة والحروف والمعاني حتى طاوعته في تحولاتها، ليكون راقصاً آخر في مواسم الشعر المدهشة، ويحمل الثمار كيفما شاء بعد عمر طويل من التعب، راقص آخر تجربة تنير عالم الشعر الحديث، تجربة تقف حائرة، وربما تبكي.
* * *
كاميران حرسان شاعر وروائي ومترجم كردي سوري من مدينة عامودا، ومقيم في السويد، له العديد من الأعمال الأدبية الشعرية والنثرية، وهو أصدر حتى الآن:
“رشيقاً أعمى كالدمى” شعر 2000
“بين” شعر 2006
“نجوم من أعماقها” شعر 2007
“المدخنة التي امتلأتْ بالدبابير ” شعر 2021
“كوكبة النسور” رواية 2021
“درب الغريب” مختارات شعرية مترجمة إلى العربية للأديب السويدي غونار إيكيلوف 2016
“مجرات سحرية” مختارات شعرية مترجمة عن السويدية 2018
“السماء نصف المكتملة” مختارات شعرية مترجمة لتوماس ترونسترومر 2020.
“راقص آخر” صدر عن اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان (HRRK).