مدونة آسو
صحافيون: تراجع الانفتاح على وسائل الإعلام في شمال وشرق سوريا
برور ميدي
تزامناً مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف الثالث من أيار في كل عام، يرى صحفيون شمال شرقي سوريا، أن الوسط الإعلامي يشهد تراجعاً عن السابق من حيث الانفتاح والحريات في تغطية القضايا المتعلقة بالشفافية ومكافحة الفساد.
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم كيوم عالمي لحرية الصحافة عام 1993م.
تذكيراً بحرية الصحافة، عملاً بإعلان “ويندهوك” الذي ينادي بحرية واستقلال الصحافة وتمتعها بالتعددية في جميع أنحاء العالم.
ويرى الصحافي عبد الحليم سليمان، المقيم في مدينة قامشلو/القامشلي، أن المناخ الصحافي في مناطق شمال شرقي سوريا ليس بظروفه الطبيعية، ويشهد تراجعاً في الانفتاح من قبل الإدارة الذاتية على وسائل الإعلام.
ويتحدر “سليمان”، الذي يحمل إجازة في الصحافة من جامعة دمشق، من مدينة سري كانيه/رأس العين المحتلة من قبل تركيا منذ عام 2019، ونشط لسنوات عديدة في الصحافة المحلية ويعمل حالياً مراسلاً لموقع انتدبندنت البريطاني.
حالة غير مستقرة
ويبيّن “سليمان” لشبكة آسو الإخبارية، أن الوسط الإعلامي في مناطق شمال وشرق سوريا يعيش فترة غير مستقرة وبالتالي “لا نشهد كما كنا نأمله من انفتاح أكبر والمساهمة في تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد في المنطقة”، على حد تعبيره.
ويشير إلى وجود حالة من التراجع في العمل الصحافي مقارنة بما تحقق في السنوات السابقة من ناحية صدور قانون جيد للإعلام وتعدد وسائل الإعلام وتعدد نوعيات التغطية في المنطقة.
لافتاً إلى أن الصحافة تعيش حالياً فترة انتقالية من مرحلة أسماها بـ “أحادية السيطرة” أو الصحافة المركزية المرتبطة بالحكومة السورية إلى صحافة متعددة الأوجه والارتباطات والمجالات الحيوية في سوريا، دون أن يعتبرها مرحلةً “مثالية” في الوقت نفسه، لا سيما وأن العمل الصحافي وحرية التعبير منبثقان ومرتبطان بأزمات البلاد منذ ثلاثة عشر عاماً، بحسب قوله.
ويعتبر أن مناطق الإدارة الذاتية أفضل حالاً من منطقتي سيطرة الحكومة السورية والمعارضة من حيث الحريات وتعدد وسائل الإعلام، مستدركاً بالقول: “لكن تراجعت جميع المجالات لصالح متابعة الأحداث المأساوية التي نجمت عن الأعمال العسكرية التركية في المنطقة بعد عام 2018”.
ويضيف سليمان بالقول لآسو: “في الوقت الذي ينبغي فيه أن تحظى وسائل الإعلام بانفتاح أكبر من قبل الإدارة الذاتية على العمل الصحافي، فقد شهدنا حذراً أكثر من ذي قبل، ولا سيما أن المنطقة تعرضت لعدة حملات إعلامية كبيرة شهدناها في أحداث دير الزور وأحداث سجن الصناعة”.
ويشير “سليمان” في هذا السياق إلى الحملات الإعلامية المضللة تجاه الأحداث التي تبعت عملية عزل قائد عسكري تابع لقوات سوريا ديمقراطية في دير الزور العام الماضي، وسبقتها الحملة نفسها في أحداث سجن الصناعة بعد تمرد معتقلي عناصر تنظيم ” داعش” مطلع عام 2021.
كما يرى صحافيون أن هناك صعوبة في العمل الصحافي من جهة الحصول على المعلومات من مؤسسات الإدارة الذاتية عند تغطية قضايا موضوعية تلامس حياة الأهالي اليومية في مناطق شمال وشرق سوريا.
غياب المساءلة والقوانين الناظمة
وترى أفين يوسف، وهي صحافية مقيمة في مدينة قامشلو/ القامشلي، وجود فرقٍ تصفه بـ “الشاسع” بين الصحافة ما قبل الأزمة السورية وبعدها، معتبرةً أنّ الإعلام بدأ بعد 2011 دخول مراحل جديدة، إلى جانب لعب أدوارٍ سلبية وإيجابية في الوقت نفسه، أثناء نقل الأحداث في عموم المناطق السورية.
كما تشير إلى انتشار الفوضى في المؤسسات الإعلامية والمجتمعات على حدٍّ سواء، في مناطق النزاع، عادّةً ذلك إلى غياب المحاسبة والقوانين، بحسب تعبيرها.
وترى “يوسف” أن الأزمة السورية سهلت دخول وسائل الإعلام العربية والعالمية ونشوء وسائل إعلام محلية وظهور مئات الإعلاميين في الساحة الإعلامية.
وتشير أيضاً إلى وجود اختلاف مساحات الأمان وحرية التعبير بين المناطق السورية بحسب السلطات الموجودة فيها، وتقول: “في مناطق الحكومة السورية بقي الحال كما هو عليه ما قبل الأزمة أي أنها تقتصر على تواجد الإعلام الحكومي الذي يمجد السلطة والقائد.
بينما في مناطق سيطرة الاحتلال التركي والفصائل المدعومة منه، “فقد اتضح أيضاً أن الوسائل الإعلامية القليلة الموجودة هناك هي وسائل تعمل على تحريف وتشويه الحقائق. ويصعب على وسائل الإعلام الأجنبية والعربية دخول تلك المناطق”.
وتعتبر مناطق شمال وشرقي سوريا أي مناطق الإدارة الذاتية، مساحة جيدة من الحرية مقارنة بالمناطق الأخرى. ويتجلى ذلك بحسب رأيها في عدد الوسائل الإعلامية والإعلاميين العاملين في المنطقة إضافة إلى وجود قانون للإعلام والمؤسسات.
لا يوجد إعلام محايد
أما الصحافي فاضل محمد، يرى أنه لا يوجد إعلام محايد بشكل تام، وإنما توجد هوامش الحرية، معتبراً إياها “هوامش نسبية”، ويرى أنّ القوانين والأنظمة النافذة في مناطق شمال وشرق سوريا تؤمن مساحة كافية لممارسة العمل الصحافي بحسب التشريعات والأنظمة المرعية التي تحدد ضوابط العمل.
وبالنسبة لمعايير العمل الصحافي، يقول الصحافي الذي يدير منظمة محلية تعنى بمجال الإعلام والتنمية: إن “الصحافي يتقيد بطبيعة الحال بالسياسات التحريرية وأجندة المؤسسات الإعلامية التي تعمل لصالحها”.
مضيفاً بالقول: إن “هذا لا يعني إهمال القضايا الملحة التي تحتاج لتسليط الضوء عليها؛ وهذا يعتمد بالدرجة الأولى على قدرة الصحافي على خلق مؤامة بين توجهات المؤسسة وما يراه مهما لتغطيته حسب حاجة بيئته ومحيطه”.
وتنتشر في شمال وشرق سوريا أكثر من مئة وسيلة إعلامية، مرخصة لدى دائرة الإعلام التابعة للإدارة الذاتية التي تشترط انضمام الصحافيين إلى نقابة” اتحاد الإعلام الحر” المقربة منها، وهذا ما يعتبره صحافيون أحد القيود في هذا المجال، وهو لم يكن وارداً في مسودة قانون الإعلام الذي تمت مصادقته عام 2021، وفقاً لقوله.
وتأسس “الإعلام الحر” عام 2012، قبل إعلان الإدارة الذاتية بسنتين، وكانت حالة ضرورية لمأسسة العمل الإعلامي والصحافي شمال وشرق سوريا بعد “ثورة روجآفا” في 19 تموز 2021 والتي تعتبر بداية خروج مناطق شمال وشرق سوريا عن سيطرة الحكومة السورية، وفقاً للرئيس المشترك لدائرة الإعلام الحرّ، دليار جزيري.
ويقول “جزيري” إن الإدارة خولت اتحادهم كجهة مرجعية للحصول على البطاقات الصحافية ومزاولة المهنة، مشيراً إلى “وجود الكثير ممن يعملون في هذه المهنة ولا يمتهنون قواعدها” على حد تعبيره.
وبيّن مسؤول “الإعلام الحر” أنهم يعملون على عدة معايير لرفع سوية العمل الصحافي من خلال إخضاع الصحافيين والصحفيات في المؤسسات الإعلامية إلى دورات تدريبية.
ولم ينفِ المسؤول الإعلامي عن وجود تحديات في العمل الصحافي في المنطقة، وذكر أن هناك مؤسسات إعلامية توقفت خلال العام الجاري بسبب تراجع الاهتمام بالملف السوري بعد الحرب في أوكرانيا وغزة.
فيما اضطر صحافيون مؤخراً/أخيراً، إلى ترك العمل الصحافي بعد سنوات من الخبرة، والانخراط في مجالات أخرى أو فتح مشاريع خاصة وسط تراجع تمويل وسائل الإعلام المستقلة في المنطقة وإغلاق بعضها إلى جانب وجود بعض الانتهاكات بحق الصحافيين.
وفي تقريرها السنوي لعام 2023، الصادر أواخر شهر كانون الثاني/ يناير من العام الجاري، وثقت شبكة الصحافيين الكُرد السوريين، 10 انتهاكات في مناطق الإدارة الذاتية.
وشملت تلك الانتهاكات 4 حالات اعتقال وحالتا قتل وإصابة وحالتا تشهير وتهديد بالتصفية، وحالة طرد تعسفي واحدة وإغلاق مؤسسة إعلامية، بحسب تقرير الشبكة.
وفي يومي الأول والخامس من شهر نيسان/أبريل الجاري، أصدرت شبكة الصحفيين الكُرد السوريين، بيانين منفصلين عن اعتقال صحفيين كرديين في ريف قامشلو/ القامشلي.
الإعلام سلاح في الحرب والسلام
من جانبه يقول رئيس شبكة الصحفيين الكُرد السوريين، الصحافي علي نمر، في تصريح لشبكة آسو الإخبارية: “إن جميع النقاط التي حددتها الأمم المتحدة من أجل الاحتفال بهذا اليوم قد حدثت في كامل الجغرافية السورية- ولو بشكل متفاوت بين منطقة وأخرى- منذ 2011 وحتى تاريخه”.
ويضيف بالقول: إن “الجماهير لم تعد بحاجة إلى التعريف بانتهاكات حق الحرية في التعبير، لأنها عاشتها لحظة بلحظة، وأيضاً المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الصحافيين وحمايتهم، ليس هناك من داعٍ لتذكيرها بأعداد الصحافيين الذين واجهوا الموت أو السجن في سبيل القيام بمهامهم في تزويد وسائل الإعلام بالأخبار اليومية لإخفاء الحقيقة عن الجهات الراصدة لتوثيق الانتهاكات”.
واعتبر “نمر” أن دور الإعلام لا ينحصر في وقت الأزمات وحسب، وإنّما يتعداه ليكون بمثابة سلاحٍ في وقت الحرب والسلم في آنٍ واحد، على حد تعبيره.
ويرى ضرورة قيام الإعلام بفضح الجرائم والانتهاكات التي تطال المدنيين والصحافيين، والدفاع عن حرية الرأي والتعبير، إلى جانب دعم الحلول السياسية والسلمية، وترسيخ ثقافة السلام بدلاً عن ثقافة الحرب والمتورطين فيها، ونشر القصص الإنسانية.
وعن مساحة الحريات الصحافية في سوريا، يقول رئيس شبكة الصحفيين الكُرد السوريين: “لا توجد حرية كاملة للصحافة في أيّة بقعة من العالم مهما كانت التسمية لنظام الحكم فيها، لذلك أينما ذهبنا توجد خطوط حمراء حتى في قلب الدول التي تدعي الحرية والديمقراطية”.
معتبراً أي مساحة حرية أمام العمل الصحافي لا تتعدى أن تكون “هامشاً من الحرية” على حدّ وصفه، ويرى أنّ هذا “الهامش” يتسع ويضيق وفقاً لأوضاع البلد، وإن كانت سوريا تتمتع بذاك الهامش قبل 2011، فإن عدد الصحافيين، و”المواطنين الصحافيين”، الذين قتلوا واعتقلوا بعد 2011 لم يقضِ على الهامش فقط؛ وإنما جعلت من سوريا أخطر منطقة على حياة الصحفيين طيلة سنوات، وفقاً للتقارير ومستوى الحريات التي تنشرها منظمة مراسلون بلا حدود”.
وحلت سوريا في المركز 179 قبل الأخير من أصل 180 دولة ضمن مؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” لعام 2024.
وتراجعت بذلك 4 درجات عن العام الفائت، حيث حلت سوريا في عام 2023 في المركز 175 في مؤشر حرية الصحافة.
وفي أيار/مايو الماضي، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها السنوي عن أبرز الانتهاكات بحق الإعلاميين في سوريا بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، وقالت إنها وثقت مقتل 715 من الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام منذ آذار 2011 على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا بينهم 52 بسبب التعذيب؛ مشيرة إلى أن الانتهاكات بحق “المواطنين الصحافيين” وحرية الرأي والتعبير لا تزال مستمرة منذ اندلاع الحراك الشعبي في سوريا قبل نحو 13 عاماً.