Connect with us

Local

مكتومو القيد والأجانب قضية إنسانية غائبة من المعادلة السورية

نشر

قبل

-
حجم الخط:

يمثل الإنسان جوهر المجتمعات، ويمنح الطبيعة الكونية اكتمال شكلها، ويمثل الإنسان العامل البشري المتحرك في كل الجغرافيا، وقد ولد الإنسان حرًا في هذه الحياة، ومع وضع القوانين والضوابط، بات للإنسان حقوقه، وواجبات عليه، كي لا يكون مؤثرًا تجاه الإنسان (الفرد البشري) الأخر، وفي إطار العدالة. في مجمل هذه الحياة أسوء ما يعانيه الإنسان هو التمييز عن قرينه الإنسان، وتكثر وتختلف حالات التمييز البشري، لتبقى قضية المجردين من الجنسية في سوريا (الأجانب ومكتومي القيد) إحداها، ومن أكثر القضايا المؤثرة في حياة شريحة واسعة (الكرد في سوريا) من البشر.

لن يستطيع الإنسان إدراك معنى قسوة المعاناة والأذى الذي لحق بشريحة المجردين من الجنسية في سوريا، فلن يخال للإنسان العادي، كيف أن هناك إنسان عادي أخر يعاني كل يوم في حياته من القانون المفروض عليه بطابع سياسي قسري وعنصري شوفيني، قد كبل الكثير من التحركات التي يعيشها في حياته. فهذا صعب إدراكه إلا لمن يعيش الحرمان، وهذه الظروف مثل الكرد في سوريا حصرًا.

كيف بدأت معاناة المجردين من الجنسية: حُرم بقرار سياسي استثنائي لعام ١٩٦٢ أكثر من ١٢٠ ألف كردي في سوريا من الجنسية السورية، حتى وصل العدد الحالي إلى أكثر من نصف مليون مجرد من الجنسية، القرار حرمهم من حق المواطنة، ودمر هوية مكون كردي في سوريا. ويصادف يوم الخامس من تشرين الثاني لكل عام ذكرى الإحصاء الاستثنائي، وهذا العام تحل الذكرى الـ ٥٦ له، أما كيف تم التجريد: فقد حصل إحصاء استثنائي في محافظة الحسكة عام ١٩٦٢ ليوم واحد فقط، قرار صدر بموجب مرسوم تشريعي رقم ٩٣ ومؤرخ بـ ٢٣ آب عن حكومة الانفصال آنذاك، قضى بإجراء إحصاء في محافظة الحسكة وفق المرسوم التشريعي رقم (١) مؤرخ في ٣٠ نيسان ١٩٦٢، وقرار صادر عن مجلس الوزراء رقم ١٠٦ تاريخ ٢٣ آب ١٩٦٢، فنتج عنه الإحصاء الاستثنائي الذي شمل الكرد في سوريا، وتعاقبت عليه (العمل به) الحكومات السورية بعد الانفصال وفي زمن البعث مع عهدي حافظ الأسد وبشار الأسد.

وبحسب دراسة أجرتها مؤسسة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” نقلًا عن مصادر رسمية في دائرة نفوس محافظة الحسكة، فإنه حتى مطلع عام ٢٠١١ بلغ عدد الأجانب أصحاب البطاقة الحمراء (إخراج قيد أحمر)، نحو ٣٥٠ ألف شخص وعدد مكتومي القيد (أصحاب إخراج قيد أبيض)، أكثر من ١٧٠ ألف وبهذا بلغ العدد الكلي للأجانب ومكتومي القيد نحو ٥١٧ ألف من الكرد السوريين.

شملت مأساة هذه الشريحة لعقود من الزمن، جوانب متعددة في الحياة، فأن تكون مجرد من الجنسية أي أنك لا تستطيع تملك شيء، ولا تستطيع أن تثبت زواج لك في المحكمة المدنية، ولا تستطيع أن تسافر، أو تكون نزيل في فندق، ليس لك أي حق كما باقي المواطنين السوريين، محروم من التوظيف والتعليم أحيانًا، غير معترف بك في مؤسسات الدولة، كل قرار لك حتى الزواج يحتاج لموافقة فرع أمن استخباراتي، لولا شرع الإسلام زواجك ليس مشرع، لا يسمح لك بأداء الخدمة الإلزامية، أو أن تكون شاهد كأي مواطن سوري عاقل.. هذه وأمور كثيرة أخرى كان الأجنبي ومكتوم القيد محرومون منها بقرار سياسي عنصري بحق الكرد.

إثر اندلاع الاحتجاجات في سوريا آذار\ مارس ٢٠١١، أصدرت الحكومة السورية المرسوم التشريعي رقم (٤٩) بتاريخ ٧ نيسان\ إبريل ٢٠١١، الذي يقضي بـ (منبج الجنسية العربية السورية للمسجلين في سجلات أجانب الحسكة)، وهنا مفروض عليك زن تكون عربي سوري وليس كردي سوري، وشمل القرار الأجانب دون (مكتومي القيد)، فحسب تقرير “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” كان رد دوائر النفوس على المكتومين: (عدم معرفة الجهة التي ستتولى تنفيذه بخصوص المكتومين)، لتكتمل مأساة هذه الشريحة البشرية، بل أيضًا اشتداد ظروف الحرب في سوريا ووصولها لمناطق الكرد، ساهم في عدم استطاعة عشرات آلاف الأجانب أيضًا من استعادة الجنسية السورية برغم القرار، نتيجة إغلاق دوائر النفوس وانعدام وجود الحكومة في المنطقة، فبقي مصيرهم معلقًا حتى اليوم، هم ومكتومي القيد ينتظرون آملًا كي يكونوا اليوم كأقرانهم ممن كانوا أجانب!.

إن حرمان الكرد في سوريا من حق المواطنة الذي ساهم بفقدانهم للحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادي، والحرمان من التملك، والدراسة والتوظيف، شكلت أضرار نفسية كبيرة لأكثر من ثلاثة من هذه الشريحة، وعدم الوقوف على قضية كهذه، يخالف قيمة قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية في المجتمعات، فمن لم يحصلوا على الجنسية، يحتاجون الدعم ويجب العمل لأجلهم لكي يحصلوا على أبسط حق لكل إنسان يعيش على أرضه ويولد فيها، أيضًا هذه الشريحة والذين حصلوا على الجنسية السورية، بحاجة للوقوف على مأساتهم من قبل المنظمات المحلية والدولية، واعتبار قضيتهم من بين القضايا الأساسية في الدستور السوري القادم، مع تعويض الضرر الذي لحق بهم على مدى عقود من الزمن، وفتح باب محاسبة السلطات التي تعاقبت على حرمانهم من حق من حقوق الإنسان.