Local
انتشار السلاح يستّهتر بحياة الأهالي
أفرز تحول الثورات الشعبية إلى جانب التسليح، حالة حرب، اساءت لجميع مفاهيم وقيم الحياة الإنسانية، عبر عدة عوامل: الصورة المنتشرة لحال الناس في ظل الأزمة، تشريد ودمار، وتهجير، واحتقان بين أطراف متعددة. جميع هذا جاء بالتساو مع ظاهرة انتشار السلاح بين فئات المجتمع وتغليبها على الجانب المدني، وانخراط كافة الفئات في عملية التسليح، وحمل السلاح، والانضمام إلى الميليشيات العسكرية (النظامية وغير النظامية)، لخلق حالة حرب أهلية، الكلمة العليا فيها للسلاح والرصاص.
إن تغير قيمة الثورة السلمية إلى ثورة التسليح في سوريا وبلدان سواها، شكل توازن خطير داخل المجتمعات، وتبعات كبيرة، رافقت حالة الفقر والظروف الصعبة التي يعيشها الناس في سوريا، فبات الانتساب لفصيل عسكري إما لتأمين لقمة العيش أو حالة طيش فردي أو لضمان حماية الفرد لنفسه وعائلته، وهنا شاهدنا العديد من حالات انخراط الشباب في حمل السلاح، لأنهم الجيل الأكثر تقبلًا لفكرة كهذه، ويعود هذا لطبيعتهم العمرية ولاندفاعهم الشبابي ولدوافع تفكيرهم، ومهما حاولت القوى المحلية والدولية من التنبيه لهذا الخطر، لم يكن هناك مبالاة ووقوف جدي على الظاهرة.
أطفال كانوا ضحايا حمل السلاح في الحرب السورية الحالية، أيضًا أطفال كانوا ضحايا تلك الأسلحة، فهناك من فقد حياته بينهم برصاص على الجبهات وهو مقاتل، وهناك من تلقى رصاصة طائشة وهو مدني انهت وجوده عن الحياة، في وقت وظرف تغيب القوانين والعدالة، ومن يفارق الحياة برصاص سلاح طائش، تصبح قضيته “ضد مجهول”.
مع انتشار ظاهرة السلاح، انتشر التماهي بحمل السلاح وارتداء الزي العسكري، حتى أن الزي العسكري بات يتم خياطته وتجهيزه لضخه في السوق، فيقتديه الأطفال الذين يتشبهون بالكبار وهم يحملون أسلحة حتى لو كانت اسلحة غير حقيقية (بلاستيكية) يتم شراءها في السوق، بعد أن تم ضخها في الحرب بكثافة، فهي من أكثر المنتجات التي تشهد عليها إقبال في ظل الحرب التي نعيشها. مرد تأثر الأطفال يعود إلى تعرضهم لحالات العنف المختلفة، عبر التلفاز ومشاهدة الصور الدموية بشكل يومي، وأيضًا الرؤية الدائمة للأسلحة والزي العسكري، وتماهي العسكر في عرباتهم وبحمل أسلحتهم أمام الأطفال، هذا عدا حالات استعراض جثث العدو التي قامت بها غالبية الأطراف المسلحة، بوضع جثث قتلى الأطراف الأخرى وعرضها في الأسواق وتعرض الأطفال لها، كل هذا شكل لوحة قاتمة بحق الطفولة والحياة عامة.
ليس التركيز على التأثير على الأطفال فقط، يعني أن الفئات العمرية الأخرى لم تتأثر من السلاح، بل كان للسلاح أثره ذو وقع على أرواح الجميع، مسنين ونساء وأطفال ورجال وشباب، لكن التركيز على الأطفال لأنهم الجيل الذي ستبنى عليهم قاعدة بناء المستقبل، وتغيبهم عن الحياة المدنية نحو العسكرة ستشكل جيلًا مرتبط بالسلاح والدماء.
قبل أيام تعرضت طفلة في مدينة “قامشلو\ القامشلي” لإصابة بطلق طائش، وقبلها تعرض أحد الزملاء الصحافيين في مدينة “الحسكة” لرصاص طائش فقد حياته على إثرها، حادثتان بين عدة حوادث انتشرت في السنوات الأخيرة، حيث في كل مناسبة فرح أو حزن نرى إطلاق الرصاص بكثافة وأحيانًا يتحول الفرح لمأتم نتيجة الطيش! فظاهرة إطلاق الرصاص الطائش المنتشرة في المناسبات المختلفة والأعراس، وحتى في كثير من المرات خلال استعراضات عسكرية، يريد العسكري فيها إبراز نفسهم، فتكون النتيجة إصابة أهالي مدنيين، أو يريد المدني إرضاء نفسه بإطلاق الرصاص، فيكون هناك ضحايا ربما أثناء مروهم في المكان، أو يقفون فيه صدفة، دون أن تخلق هذه الظاهرة متابعة وانضباط جدي وحقيقي من قبل السلطات لإيقاف هذه المأساة.
لقد أسفر انتشار ظاهرة إطلاق الرصاص الطائش في مناسبات مختلفة وإصابة مدنيين، إلى قيام مجموعة من أبناء (روج آفا) بإعداد حملة #طيش_رصاصكم_يقتلنا كنوع من الاستنكار على حادثة إصابة الطفلة “هلز” في قامشلو، وأيضًا لتكرار هذه الظاهرة مرات ومرات، وبرغم إعلان قوانين وتعميمات من قبل “الإدارة الذاتية الديمقراطية” بوقف هذه الظواهر لكن الحقيقة أنه لا يتم الالتزام بها، ودور المجتمع المدني والإعلام يتطلب التركيز بكثافة على الظاهرة، وجعلها قضية رأي عام، على أن ترى السلطة في المبادرة بادرة إيجابية بدعمها والمساهمة فيها كي تكون ذات تأثير فاعل ويكون هناك تفاعل بين المؤسسات المدنية والسلطات لوأد مثل هذه الظاهرة، فدون التعاون من قبل السلطات ستكون المعادلة ناقصة ويبقى الطائش والمستهتر بحياة الناس مستمرًا في فعلته.
إن إصابة طفل أو أي مدني، نتيجة طيش يقع عاتق المسؤولية فيه على السلطات التي يجب أن تقوم بفرض قانون يلزم الناس على عدم استخدام السلاح، وأيضًا منع العسكر من استخدامه في المناطق المأهولة بالسكان، وأن يكون هذا القانون متابعًا، ويتم محاسبة كل من يخرقه، فوفاة أي إنسان مدني تتجاوز أهميته مبدأ السكوت عن الخروقات، وإلا فإن الخروقات ستشكل صورة مشوهة للواقع.
يخسر المجتمع كل فترة أحد أبنائه نتيجة طيش طائش، الأول يفقد حياته فيما الأخير ينعم بحياته دون محاسبة، وتكون الجهات المسؤولة في حالة صمت اتجاه ذلك. إن حياة الأفراد في أي مجتمع لها الأهمية الأكبر، فكل سلطة تعمل لخدمة وسلامة الناس ولأجلهم تقوم بجميع التدابير التي تعيق وصول الأذى إليهم.