مواطن وعدالة
المضطربون نفسياً… ضحايا منسيون في منبج
آسو-أحمد دملخي
خلال المرور بطريق جرابلس من جانب السوق الرئيسي كان يسير بجلابيته التي كستها الأتربة وبيده يحمل راديو يُطلق العنان لأغاني شعبية.
رجل مشرد مضطرب نفسياً تعرفه المدينة منذ فترة ما قبل الأزمة في سوريا باسم “باهية” يتواجد في أسواق المدينة، لا أحد في المدينة يعرف من أين جاء أو ماهي قصته.
و”أبو ماهر” الذي تتناقل المدينة رواية غير مثبتة أنه دكتور جامعي سابق، تراه يمر في الشوارع وأمام المحال التجارية يحمل في يده لفافة تبغ، ويتمتم بكلمات غير مفهومة، هو رث الثياب وفي كثير من الأوقات تراه يفترش الأرض، فقط يعرفون أنه تواجد في منبج خلال الأحداث في سوريا، والبعض يرجح أنه هرب من “مصحة دويرينة” المتواجدة شرقي حلب بعد أن تركها المسؤولين عنها.
الخوف من الغريب
“أبو محمد” تاجر من تجار السوق المسقوف في المدينة يقول، سابقاً كنا نتعامل مع هؤلاء الرجال ذوي الأوضاع النفسية الخاصة على أنهم بركة تحل في المكان الذي يكونون فيه، لذلك كان تعامل أهالي السوق بشكل خاص وأهالي منبج بشكل عام معهم مبني على العاطفة البحتة، لكن اليوم تغير كل شيء، فالسوق يعاملهم على أنهم ذووا عقل سليم، أو أنهم من عناصر مخابراتية، وخاصة الغرباء عن المدينة.
يتعرض هؤلاء الأشخاص إلى مضايقات من السكان المحليين وخاصة الأطفال الذين يرمونهم بالحجارة، هم لطفاء مع المحسنين إليهم، ويخافون الأذى ممن يسيء معاملتهم.
عن وضع هؤلاء الرجال في المدينة يتحدث “أبو محمد” فيقول، “اليوم يتواجد عدد منهم بدون مأوى، كما أنهم يعانون من نوبات صرع قد تدخلهم في حالة صحية، وتواجدهم في الأسواق طوال الوقت يعرضهم ويعرض الأهالي للخطر، فلا أحد منهم واعي لما قد يحمله في يده، لذلك على الجهات المختصة النظر في وضع هؤلاء الناس، وتأمين مكان خاص لهم ليتلقوا الرعاية المناسبة، ويبعدوهم عن السوق ومخاطر التعرض للأذى.
ما هي الحالات التي تتواجد في مدينة منبج، وكيف يتم التعامل مع كل حالة؟ هذا السؤال كانت إجابته من قبل الطبيب “س. ع” وهو مختص بطب الأعصاب وجراحتها حيث قام بشرح عدة حالات تتواجد في المدينة، يتواجد عدد من المضطربين نفسياً في المدينة، بين أشخاص لديهم رعاية أسرية خاصة، وأشخاص مشردين بشكل كامل، ومن التقسيمات التي يمكن توزيع هذه الحالات عليها نستطيع تقسيم المرض وتاريخه، فهناك حالات يكون فيها المرض متواجد منذ الولادة (وهي حالات الوراثة)، وهناك حالات تظهر بعد سن معينة قد تكون نتيجة حادثة مرضية أو حادث سير أو حتى صدمة نفسية حادة، وهناك عدة حالات متواجدة في المدينة من كلا النوعين، وأبرزها حالة “أبو ماهر”، فالأغلب أنه تعرض لصدمة نفسية عالية سببت له فقدان الإحساس والإدراك المنطقي، أما من الناحية المرضية هناك عدة انواع من الاضطرابات النفسية تصل إلى عشرين نوع، لكن المنتشرة في منبج بشكل كبير هما الاضطراب الفصامي (انفصام الشخصية)، والاضطرابات الشخصية (فرط العاطفة والتأثر)، والاضطراب ثنائية القطب (حيث تكون أفكار الشخص بعيدة عن المنطق بشكل كبير بالنسبة للشخص المتزن )”.
عن الطبيعية العلاجية والمتابعة التي يجب توفرها لمعالجة هذه الحالات يتابع الطبيب بالقول، هناك الكثير من الحالات التي تتواجد في المدينة والتي تحتاج إلى رعاية خاصة ضمن مركز تأهيل، حيث أن العلاج في هذه الحالات -مهما كان نوعها- يعتمد بشكل كبير على الأدوية العصبية، وهي غير متوفرة بشكل كبير اليوم في المدينة، ولا يتم منحها إلا بموجب وصفة طبية خاصة، كل هذه الأمور تسبب تدهور حالات الأشخاص المريضين نفسياً، ويسبب لذويهم أو اقاربهم العجز وقد يصل بهم الحال إلى رميهم في الشوارع فلا يجدون أي أحد يقف في جانبهم .
السيدة “أميرة الحاج جاسم” الرئيسة المشتركة لمكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في منبج لمناقشة هذا الوضع في المدينة قالت، منذ فترة العام وقد قام مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بدراسة وإحصائية شملت أهالي منبج وريفها لهذه الحالات، وقد توافد الأهالي لتسجيل ابنائهم في هذا المكتب، عدد الحالات التي تم تسجيلها لا يتجاوز المئة حالة في المدينة وريفها، وقد تمت أرشفتها في حال توفرت امكانية لتقديم المساعدات لهذه الحالات، ونحن ننتظر من المنظمات الإنسانية التي تعني بالجانب الصحي في المدينة تقديم المساعدة لنا في تأمين الأدوية الطبية المتخصصة لعلاجهم.
وتضيف “الحاج جاسم” في الحديث، قمنا بتقديم فكرة مشروع بناء مركز صحي مصغر متخصص في علاج الاضطرابات النفسية إلى المجلس التنفيذي خلال بداية العام الحالي، وتم مناقشته في الجلسة الدورية، لكن عدم توفر أطباء متخصصين في هذا المجال في المدينة كان العقبة الأولى في هذا المشروع، كما قمنا بمراجعة عدد من المنظمات الانسانية في المدينة لمعرفة إمكانياتهم في هذا المشروع فكانت النتائج سلبية بشكل كبير، فلا يوجد كما ذكرت سابقاً أي طبيب أو مختص في المعالجة النفسية في منبج، وهذا المشروع بحاجة ماسة إلى طبيب نفسي يديره ويشرف على عمله بشكل دائم.
وقد ختمت “الحاج جاسم” حديثها بالقول، في حال بقي الوضع بدون تغير حتى بداية الشهر التاسع القادم سيقوم مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في منبج بمراسلة المركز الصحية التي تتواجد شرق الفرات ومعرفة إمكانية استقبالهم لحالات منبج المشردة منها ضمن مراكزهم إن أمكن.