Connect with us

أخبار وتقارير

المدنيون في الحسكة يموتون عطشًا… حرب المياه: سلاح تركيا بوجه مليون نسمة

نشر

قبل

-
حجم الخط:

الحلول المطلوبة من الإدارة الذاتية “خجولة” أما الحكومة السورية “أذن من طين وأذن من عجين”
آسو – نوهرين مصطفى
تحرر: (آ. ح)

تقوم تركيا بين الحين والآخر وعن عمد عبر فصائل الجيش الوطني السوري الموالية لها، بقطع المياه عن أهالي مدينة الحسكة وريفها، بإيقاف ضخ مياه محطّة علوك التي تغذّي أكثر من نصف مليون نسمة في المحافظة، فتحرم المدنيين من الحصول على المياه، وذلك منذ أن باتت المحطّة تحت سيطرتها بعد احتلال تركيا في عملية “نبع السلام” لمدينة سري كانيه / رأس العين في تشرين الأوّل من عام 2019، وكانت الطّائرات التركيّة استهدفت المحطّة وأخرجتها عن الخدمة لأكثر من أربعين يوم آنذاك.

وبعد الاحتلال جرى اتّفاق رّوسي- تّركي حول المحطّة، في ظل محاولات عديدة من قبل اليونيسيف والصّليب الأحمر الدّولي، لأن يسمح الاحتلال التّركي والفصائل الموالية له بدخول فرق الصّيانة إلى المحطّة لإصلاح الأعطال (وهو فريق متخصص يعمل تحت إشراف الحكومة السورية)، إلّا أن مشهد ابتزاز المدنييّن بقطع المياه عنهم بات يتكرّر حتّى اليوم، عبر إيقاف ضخ المياه من المحطّة (التي تصل خدماتها لمدينة الحسكة) لأكثر من مرة.

معاناة مضاعفة تثقل كاهل أهالي الحسكة
يعيش أهالي الحسكة والريف التّابع للمدينة معاناةً قاسية جرّاء أزمة المياه، بتوقّف الضخ من محطة علوك كل فترة، خاصّةً بعد تهجير أكثر من 250 ألف شخص من مدينتي سري كانيه وتل أبيض، واستقرارهم ضمن المدينة والمخيّمات في محيط الحسكة ومراكز للإيواء بريف الحسكة، ممّا ضاعف حاجة مدينة الحسكة أمام الكثافة السكانية إلى المياه.

وينتقد الأهالي في الحسكة صمت الأمم المتّحدة جرّاء ما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان على يد الفصائل السّوريّة الموالية لتركيا، كما يُحمّلون كل من الإدارة الذاتيّة في شمال وشرق سوريا والحكومة السوريّة والمجتمع الدّولي، مسؤوليّة عدم إيجاد حل لأزمة المياه التي تعصف بالمدنيين بعد مرور عام على مواجهتها.

“نعيش أوضاعاً ماديّة صعبة للغاية، رغم ذلك، نتحمّل تكاليف مضاعفة لتأمين مياه الشّرب” بهذه الكلمات يصف “سعد حسين” (56 عام) وهو من أهالي الحسكة واقع الحرمان من مياه الشرب لشبكة آسو الإخباريّة. ويضيف “سعد” بأنّ استمرار الحال على ما هو عليه من يولد ظروف قاسية، فهذا أمر يستحيل على الأهالي تحمّله بعد الآن، متسائلاً عن أسباب عدم إيجاد حل لأزمة المياه وانقطاعها بشكل متقصد حتى الآن، سواء كان من قبل الحكومة السوريّة أو الإدارة الذاتيّة.

وبات خبر انقطاع المياه عن مدينة الحسكة يشكل هاجسًا للأهالي، فأكثر الأخبار المقلقة هي عن توقّف ضخ المياه من محطة علوك التي تبعد عنهم نحو (80 كم)، فكل خبر عن توقف الضخ يعني بدء معاناة في البحث عن مياه الشرب وسط ظروف صعبة من جديد.

حلول خجولة لم تجدِ نفعاً حتى الآن
مع تفاقم أزمة المياه، لجأ الأهالي مرغمين إلى حفر آبار بالقرب من منازلهم، وذلك لاستخدام مياه الآبار السطحيّة التي تصلح لأعمال التّنظيف وتشغيل مكيّفات الهواء في فصل الصّيف لا الشرب، في حين أن الظّروف الاضطرارية واستمرار أزمة المياه من قبل تركيا دفعت الأهالي لشرب مياه هذه الآبار، الأمر الذي ساهم بانتشار الأمراض المعوية من التهاب الأمعاء والإسهال بين مختلف الفئات العمريّة كما يؤكد “عنتر سينو” وهو رئيس الأطبّاء في مستشفى الشعب بالحسكة، فيقول إن مياه تلك الآبار التي تم حفرها لا تصلح للشرب، وتسبّب الكثير من الأمراض، مضيفًا أنّ هذه المياه زادت من حالات الجفاف بين الأطفال بنسبة تفوق 50% بسبب الإسهال والالتهابات.

المسؤولون في مكتب البيئة ذكروا أنّه لا توجد إحصائية رسميّة لعدد الآبار المنتشرة في المدينة، لكن بحسب تقديرهم يتجاوز عددها ألف بئر تقديريّاً، وتصل تكلفة حفر البئر الواحد إلى نحو 300 دولار أمريكي بحسب “بيريفان ابراهيم” إحدى أهالي الحسكة، والتي أشارت إلى أن استفادتهم من مياه البئر لم تمتد لأكثر من شهر، حتى بدأ يطفو على السطح مياه قليلة وتراب ووحل كثير.

ومع انتشار جائحة كورونا في ظل أزمة المياه، قرّرت الإدارة الذاتيّة البدء بمشروع حفر آبار في منطقة الحمّة شرقي الحسكة وذلك في آذار عام 2020، لكن إغلاق الحدود بسبب انتشار الجائحة وقف عائقاً أمام إتمام المشروع بسبب نقص مستلزمات وأدوات العمل في السوق المحليّة بحسب “سوزدار أحمد” الرئيسة المشتركة لمؤسسة المياه في تصريح لشبكة آسو الإخباريّة.

ورغم الانتهاء من المشروع في آب 2020، إلا أنه لم يغطِ ثلث حاجة السّكان من المياه، ومع تأخّر هطول الأمطار في الشّتاء الحالي، وصل إنتاج المحطة لأدنى مستوياتها، لتبقى المياه رهن العمل في محطة علوك مجدّداً.

استجرار المياه من نهر الفرات للحسكة لا يدعو للتفاؤل بحل الأزمة
مع بداية عام 2021 الحالي، توجّهت الإدارة الذاتيّة إلى إطلاق مشروع استجرار المياه من نهر الفرات، والقيام بأعمال تأهيل وصيانة خطوط المحطّات في بلدات دير الزّور وصولاً إلى الحسكة، لتأمين المياه للمدينة في حال توقف الضخ من محطة علوك.

ويقول “لقمان موسى” المهندس المشرف على المشروع لشبكة آسو الإخباريّة، إن استجرار مياه الفرات يصنّف من المشاريع الحيويّة في المنطقة على حد وصفه، وسيتم العمل به على مرحلتين، حيث ستكون المرحلة الأولى عبارة عن صيانة وتأهيل خطوط محطات المياه في بلدات دير الزّور وصولاً على الحسكة، بدءاً من محطة الصّور والعولة بريف دير الزّور وصولاً إلى محطّة منطقة 47 بريف الحسكة، أمّا المرحلة الثّانية فستقوم على إعادة تأهيل محطّات التّصفية في كل من مركدة والشدّادي ومحطّة الـ 47 والقرى التّابعة لها، بحسب “لقمان”، لكن لم يصرّح المسؤولون في الإدارة الذاتية عن المدّة الزّمنية لإنجاز المشروع والتّكلفة الكليّة لإنجاز عمليّات الصّيانة والتّأهيل.

ولا يزال أهالي الحسكة يعيشون تخوّفاً من عدم نجاح مشروع استجرار المياه، حيث أن منسوب مياه الفرات يصل لأدنى مستوياته في الصّيف، بسبب حجز تركيا المياه في السّدود التي أقامتها على النهر مؤخّراً، الأمر الذي يعيد احتمالية تكرار سيناريو فقدان المياه صيفاً مع ارتفاع درجات الحرارة في الحسكة.

وتكرّرت في الحسكة الصّيف الماضي، مشاهد لبحث الأهالي في الأحياء عن المياه، حيث وصف أحد الأهالي حجم المشقّة في البحث عن المياه بـ”الكارثة الإنسانية”، “تخيل أنّك تبحث عن نقطة مياه للشرب، فتنسى احتياجات الإنسان الأخرى للمياه، وتفكّر كيف ستكسر العطش الذي أنت فيه”.
ويتفق السكان في المدينة على أن تركيا تحاربهم بالمياه، بقطع المياه عن المدنيين.

الماء مقابل الكهرباء
الحصار الذي فرضته تركيا على الأهالي بحرب المياه، كان يتخلله شروطاً من قبل تركيا وفصائل الجيش الوطني التي تمثل المعارضة السورية، بمطالبة الإدارة الذاتيّة والحكومة السوريّة بالكهرباء، حيث أعلنت أكثر من مرة بابتزاز صريح ومباشر بأنه مقابل تشغيل محطة مياه علوك وضخ المياه للمدنيين، يجب أن يتم تزويد المنطقة المحتلة من قبل تركيا (تل أبيض وسري كانيه) بالكهرباء، لكن برغم أن اتفاق غير معلن جرى بين الطرفين ذلك أن تركيا لم تلتزم بتشغيل المحطة في البداية، مطالبةً بزيادة الطاقة الكهربائية في كل مرة وإلا ستتوقف محطة علوك عن العمل.

ويدير محطة علوك موظّفون تابعون للحكومة السوريّة، من مهندسين وعمّال وخبراء في تشغيل المحطّة، والذين قامت فصائل الجيش الوطني السوري لأكثر من مرة باحتجازهم كرهائن في المحطة، برغم اتفاق روسي تركي بعدم التعرض لهم.

وقامت القوات التركية والفصائل المسلّحة التابعة لها بإيقاف تشغيل محطة مياه علوك في ريف مدينة سري كانيه بتاريخ 22 تشرين الثاني 2020 بحجّة عدم توفّر الكهرباء لتشغيل المحطة، بينما أكّدت مصادر أهليّة أن الفصائل قامت باستجرار الكهرباء من الخط المغذّي لمحطّة علوك، مّا أدّى لانخفاض طاقة الكهرباء الواصلة إلى المحطة وانفجار محوّلات الشدّة الكهربائية.

في حين استطاعت شبكة آسو التواصل مع السّكان في سري كانيه، الذين أكّدوا أن أسباب تأخّر وصول الكهرباء للمدينة وضخ المياه، تعود لتأخر اكتمال مشروع جر الكهرباء بعد قيام فصائل المعارضة السورية المسلحة (الجيش الوطني السوري) بسرقة معدّات تمديد الكهرباء التي تم جلبها من تركيا.

بعد قطع المياه مجددًا قالت “آهين سويد” الرئيسة المشتركة لهيئة الطاقة في إقليم الجزيرة، إنه انعقد اجتماع بين ممثلين عن الإدارة الذاتية والمنسقين من الطرف الروسي في مدينة قامشلو / القامشلي لبحث سبل إعادة تشغيل محطة مياه علوك، بعد توقّفها لثلاث أسابيع متتالية، ثم قام المنسّقون الروس بالتّواصل مع الاحتلال التركي في مدينة رأس العين، لينعقد اتفاق بينهما على إعادة تشغيل محطة مياه علوك مقابل تغذية محطّة كهرباء المبروكة بريف رأس العين، ويتم تغذيتها من سد تشرين بالكهرباء، لكن “سويد” لم تخفِ مخاوفها من عدم التزام القوات التركية والفصائل المسلحة التابعة لها بالاتفاق مع غياب ضمانات تلزمهم بعدم إيقاف تشغيل المحطة، وهذا ما حدث فعلًا فبعد مرور شهر واحد على الاتفاق قامت تركيا بمعاودة إيقاف ضخ المياه من محطة مياه علوك، في ظل صمت دولي ووسط فقدان المياه في المنطقة.

غضب شعبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي
أثارت أزمة انقطاع المياه عن مدينة الحسكة التي يقطنها أكثر من نصف مليون شخص، منهم نازحين من مدن سورية مختلفة، موجة غضب شعبي عبر وسائل التّواصل الاجتماعي، وأطلق ناشطون/ات حملات عدّة لدعم الأهالي المحرومين من مياه الشرب، وحملت أسماء عدّة منها (الحسكة تموت عطشاً وأنقذوا الحسكة والحسكة عطشى) تفاعل معها عشرات الآلاف من بينهم فنّانين/ات سوريّين/ات، مطالبين بالتّدخل الفوري لحل هذه الأزمة، بينما امتلأت صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بصور مؤثرة لأهالي وأطفال مدينة الحسكة أثناء وقوفهم في طوابير طويلة للحصول على المياه.

ويعتبر استغلال المياه في الحروب واستخدامها كسلاح ضد المدنيين/ات انتهاك صارخ وجريمة حرب ضد قيم وحقوق الإنسان، ويصنف من التصرفات المحرّمة دوليًا حتّى في الحروب.

*الصور من أرشيف الشبكة