أخبار وتقارير
غابة تحكمها “مافيات”… استياء شعبي بسبب الفلتان الأمني في المناطق المغتصبة من قبل تركيا
يامن الخالد – حلب
يعاني سكان المناطق المغتصبة من تركيا ويتم دعم الجيش الوطني والحكومة المؤقتة فيها، حالة من الفوضى والانتهاكات والفلتان الأمني، والتي تتكرر بشكل شبه يومي، سيما عن الرعب والخوف الذي سببه اقتتال الفصائل العسكرية المسلحة والاقتتال العشائري، حتى أضحت حالات الخطف والاعتقال والاغتيال منتشرة بشكل مخيف، هذا إضافة إلى مصادرة الممتلكات، الأمر الذي يسبب قلق كبير لدى السكان الأصليين ممن تبقى في تلك المناطق، كما يشتكي المستوطنون الذين جلبتهم تركيا والجيش الوطني على حساب السكان الأصلين بعد تهجيرهم من مناطقهم.
الأمن والأمان الذي رفعته تركيا والجيش الوطني السوري عند اغتصاب المدن، في الواقع ليس موجود، فاللذين يعيشون في تلك المناطق بات جل اهتمامهم أن يكون هناك آمن واستقرار فعلي، على عكس ما تروج له السياسة التركية للعالم عن تلك المناطق، فقد باتت بؤرة قلق ورعب للمجتمع.
يعيد الأهالي أن بين الأسباب الرئيسية لنشر الفوضى هو وجود الفصائل المسلحة، فعديد من الأهالي يؤكدون أن الفصائل المسلحة تقوم بمحاصصة واردات المدن والبلدات، وكل فصيل يفرض سلطته على مجموعة من الأهالي، وتختلف طرق الإدارة من فصيل لآخر، ما يعيق بشدة تحرك المدنيين ويتسبب بعراقيل تواجه حياتهم اليومية.
كما أن انتشار السلاح بشكل عشوائي والبطالة من أهم العوامل المعززة لظاهرة الفلتان الأمني، ما جعل من هذه المناطق بنظر سكانها مكاناً أشبه بالغابة التي تحكمها “مافيات” تعيش على انتهاكات حقوق المدنيين.
“هيثم العلي” (اسم مستعار) وهو ناشط صحفي مقيم في مدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي، يقول لشبكة آسو الإخبارية، إنه لا يمكن حصر حالات الاقتتال والاغتيالات والتفجيرات والسرقات والخطف ضمن المناطق المعروفة باسم درع الفرات وغصن الزيتون، فآلية الرصد في تلك المناطق تؤكد أن هناك ضحايا وخسائر بشرية باستمرار.
بتاريخ 24 آب المنصرم سقط نحو خمسة جرحى من المدنيين وثلاثة قتلى من أبناء عائلتين في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، نشب بينهما اقتتال مسلح عنيف على خلفية ثأر بين العائلتين، واستخدم أثناء الاقتتال أسلحة رشاشة وقنابل يدوية وبنادق وأسلحة بيضاء وسط حالة من الذعر بين المدنيين.
أيضًا بتاريخ 17 آب المنصرم قامت مجموعة مسلحة تتبع للفصائل الموالية لتركيا بالاعتداء على شاب يبلغ 26 عاماً، من سكان بلدة سجو التابعة لمدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي، وذلك أثناء محاولته اجتياز الحدود السورية-التركية، حيث تعرض الشاب للضرب المبرح وتعرض لسرقة من المسلحين لمبلغ يقدر بـ 700 دولار أمريكي كانت بحوزته.
كما شهدت مدينة إعزاز منتصف شهر آب المنصرم، اشتباكات مسلحة دارت بين النازحين والمهجرين من جهة، ومسلحي الفصائل الموالية لتركيا من جهة أخرى، بسبب استمرار تعديات وانتهاكات الفصائل المسلحة بحق المدنيين، حيث استخدم الطرفان أسلحة متوسطة وخفيفة خلال الاشتباكات التي استمرت لعدة ساعات، وأسفرت عن إصابة عدد بين عناصر الفصائل الموالية لتركيا والمهجرين، قبل أن يتوقف الاقتتال بوساطات عشائرية وتدخل الشرطة العسكرية.
وقامت القوات التركية بتاريخ 11 آب المنصرم على قمع المظاهرات التي خرجت على خلفية تصريحات وزير الخارجية التركي “تشاوش أوغلو” والتي دعا فيها للمصالحة مع النظام السوري، حيث تعرض العديد من التظاهرات ضمن مناطق سيطرة الفصائل الموالية للاحتلال التركي للقمع من قبل القوات التركية، التي أطلقت الرصاص على المدنيين، وأصابت شخص مهجر من ريف دمشق عند معبر “جرابلس” الحدودي مع تركيا، وتكتمت وسائل الإعلام عن الحادث قائلةً إن الرصاص أطلق في الهواء وهذا منافي للحقيقة.
تعرض أحد المدنيين للضرب المبرح مطلع شهر آب المنصرم، على يد عنصر يتبع لـ “الشرطة العسكرية” وذلك خلال مظاهرة خرجت أمام أحد المراكز التعليمية في مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي، حيث تم الاعتداء عليه بوحشية لمجرد إقدامه على كتابة شعارات مناهضة لتركيا وفصائلها على أحد جدران المركز التعليمي.
تطول القائمة بحالات الخطف والاعتقال والسرقات والتفجيرات التي تحدث بشكل يومي، وسط عجز الفصائل الموالية لتركيا عن إيقافها، ما يجعل من مناطق سيطرة المغتصب التركي أماكن غير جيدة للعيش، فقد بات غالبية الأهالي يرغبون بمغادرتها، لكن تمنعهم أوضاعهم المعيشية عن ذلك. في الوقت الذي يحمل المدنيون تركيا مسؤولية ما يجري من فوضى وفلتان أمني في مناطق سيطرتها، وهي التي فرضت نفسها كوصية على الشعب السوري باغتصاب أرضهم.
الشاب “موفق عوض الهلال” وهو نازح من ريف حماة الشمالي ويدرس في كلية الهندسة بمدينة إعزاز، قال لشبكة آسو الإخبارية، إنه وبمجرد الدخول لمناطق سيطرة الفصائل الموالية للاحتلال التركي، يشعر بالخوف، لعدم وجود نظام حكم رشيد يحكم تلك المناطق وتطغى عليها سمة الفوضوية في أدق تفاصيل المعيشة. ويضيف أنه عند وصول المارين لمعبري الحدود الغزاوية أو دير بلوط تبدأ العناصر بالتدقيق والتفتيش ومحاولة افتعال المشاكل، لإهانة المدنيين عبر الألفاظ النابية والضرب والاعتقال أو فرض الضرائب المالية، رغم وجود هذه الفصائل ضمن جسم عسكري موحد إلا أنها أشبه بعصابات “المافيا” تتحاصص القرى والبلدات وتتبع كل منها منهجية مختلفة عن الأخرى.
ولفت “موفق عوض الهلال” إلى أنه في كل مرة يحاول أن يدخل فيها المدينة بهدف الدراسة، تحدث هناك مشاجرة أو يحدث اقتتال واختطاف، فتغيب ملامح الأمن والاستقرار وهذا يرهق المدنيين كثيراً لاسيما المهجرين والنازحين الذين لا يملكون بديلاً آخر لمغادرة تلك المناطق.
ويقول “هلال” إنه يجب وضع حد لكل ما يجري ضمن مناطق نفوذ المغتصب التركي والفصائل الموالية له، ويجب العمل على توفير الأمن والاستقرار ضمن هذه المناطق كخطوة أولى، وأن كانت تركيا جادة بتأمين ممرات للاجئين في تركيا عليها أن تساهم بتأمين الأمن والاستقرار، لكن يعود ويقول هذا مستحيل في ظل احتلال تركيا وفصائل عسكرية مسلحة غير منضبطة.
يشتكي “خالد الدقسي” رجل مسن من مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، من تضرر عمله جراء استمرار الفلتان الأمني ضمن المدينة، ويقول بأنه يملك ثلاث محال لبيع الأثاث المنزلي في الشارع الرئيسي وسط المدينة، وكان يستمر في عمله حتى ساعة متأخرة من الليل سابقاً، لكنه الآن يضطر للإغلاق منذ الساعة الثامنة مساءً، خوفاً من تعرضه لهجوم مسلح من قبل عصابة أو سرقة أو نهب “تشليح” من قبل الفصائل السورية المسلحة الموالية للمغتصب التركي.
مضيفاً، في كل مرة يحدث اقتتال عشائري أو فصائلي داخل المدينة يعلق عمله عدة أيام، عدا عن الأضرار المادية التي تلحق بالأسواق والمنازل السكنية نتيجة الاشتباكات المسلحة داخل الأحياء السكنية.
وتزايدت حالات الفلتان الأمني بشكل لافت خلال العام الجاري، تحت مرأى ومسمع الأتراك الذين يسيطرون مع الفصائل على المنطقة، ومن أهم الأسباب هو انتشار السلاح بشكل عشوائي ووصوله لمتناول يد المدنيين وحتى الأطفال دون سن 18 عاماً.
يقول أحد المدنيين إنه توجد عشرات المحال التي تبيع الأسلحة للمدنيين، وباتت منتشرة بشكل اعتيادي مثلها مثل أي محل آخر لبيع المواد الغذائية أو الأفران، وهذا ما يتسبب بحدوث الجرائم ولاسيما حالات الخطف تحت تهديد السلاح، بهدف الحصول على فدية مالية والتي تعد من أبرز ما يقلق راحة المدنيين، أو استدراج المدنيين ليلاً ومن ثم تهديدهم وقتلهم بداعي السرقة، على حد وصفه.
ويعرب الدقسي عن قلقه بسبب استمرار هذه الفوضى العارمة ضمن المناطق المغتصبة من تركيا، مع انعدام وجود إرادة حقيقية لدى الفصائل بوضع حد لها، رغم ادعاء الفصائل بملاحقة المجرمين وتسليمهم للقضاء، والقيام بحملات أمنية ضد خلايا تنظيم داعش، لكن لا وجود لبوادر باهتمام الفصائل إذ أن الفصائل المسلحة من أكثر المستفيدين من استمرار الفلتان الأمني، فهم يمارسون الانتهاكات بكل حرية.
ويجدر بالذكر بأن حكومة تركيا المغتصبة تسمي المناطق الخاضعة لسيطرتها في ريف حلب الشمالي ومناطق سري كانيه/ رأس العين وتل أبيض “مناطق آمنة”، ومناسبة للعيش فيها، وتعمل على تنفيذ مشروع يقضي بإعادة مليون لاجئ سوري من تركيا وتوطينهم في مستوطنات ومخيمات داخل الأراضي السورية، متجاهلة حالة الفلتان الأمني والانتهاكات المستمرة بحق الأهالي والواقع الحقيقي لتلك المناطق.