Connect with us

مدونة آسو

النداء الموبوء…. خطاب الكراهية فيروس ينخر النسيج المجتمعي

نشر

قبل

-
حجم الخط:

هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع إعلام يجمعنا، حول” تعزيز دور الإعلام في محاربة الإستقطاب وخطاب الكراهية من أجل مجتمع متماسك”.

عبد الباقي علي
الخطاب باعتباره فن وهندسة بناء واخراج الكلمة صياغة ونطقاً، كان لابد من دور مؤثر وفاعل للخطاب كما للكلمة في حياة البشر. الكلمة سلاح ذو حدين، لها تأثير كبير على نفسية الأشخاص سواء كانت إيجابية أو سلبية، فاذا كانت الكلمة الطيبة بلسم الروح، تنشأ الحب والطيبة، وتنقل المحبة والود، وتبني جسور الثقة والاطمئنان، وتنسج خيوط التماسك، والتآلف، فإن كلمة الذم والقدح تترك جرحًا في الروح، تنشأ الكراهية والبغضاء وتنقل الأحقاد والضغائن، وتهدم جسور التواصل والتفاهم، وتهتك النسيج المجتمعي.

فالكلمة النابية السيئة هي المصدر الأساسي لخطاب الكراهية مع أنه يمكن اعتبار أي شكل من أشكال التعبير شفهياً أو كتابياً بما في ذلك الصور والرسوم والرموز أو سلوكياً ومن خلال الإيماءات، باستخدام لغة دونية أو تحقيرية ضد شخص أو مجموعة على أساس الانتماء والهوية (الدينية، المذهبية، الطائفية، الإثنية، الجنسية،…) أو (اللون، النسب، الحالة الاجتماعية،…) أو أي من العوامل المحددة للهويات الأساسية أو الفرعية شكلاً من خطاب الكراهية، وإن لم يتم الاجماع على مفهوم موحد وواضح لخطاب الكراهية بموجب القانون الدولي. أو بعبارة أخرى فإن خطاب الكراهية هو كل قول أو فعل يثير التعصب الفكري والتمييز العنصري والنظرة الاستعلائية ويحرض تصريحاً أو تلميحاً على الاقصاء والعنف أو الفتنة في المجتمع.

أسباب ظهور خطاب الكراهية
إذا استثنينا الكراهية كمرض اجتماعي أو نفسي، فان الكراهية كشعور سلبي تنشأ بسبب غياب العدل وهضم الحقوق وممارسة الظلم، لذلك فان أموراً كثيرة منها الحروب والصراع على السلطة والموارد والسعي الى السيطرة على الخصم مثلاً تؤدي الى ترسيخ ثقافة الاقصاء والغاء الآخر المختلف وتساهم في ظهور ونشر خطاب الكراهية.

النظرة الاستعلائية والتمييزية هي الوسائل والأدوات التي تفتح الباب واسعا على الكراهية، وتغذي الأفكار العنصرية التي تحط من قيمة الآخر المختلف وتنظر اليه نظرة دونية تحقيرية، وهي البيئة المناسبة والحضن الدافئ لنشوء خطاب الكراهية كأسلوب لتشويه سمعة الخصم ونبذه من خلال الصاق التهم والألقاب السلبية (تكفير، تخوين، تقسيم، ارهاب،…) بغية ازاحته أو الغائه وازالته، ما يولد الضغائن والأحقاد ويؤدي الى التعصب والشوفينية كآفة مجتمعية تزيد من حدة الاستقطاب والتخندق أو التمترس السلبي مفهوماً وممارسة فتظهر الخصومات والصراعات المذهبية والطائفية وتنتشر ثقافة العنف والتطرف والإرهاب التي تستهدف النسيج المجتمعي من خلال اثارة الفتن ونشر العداوة.

خطاب الكراهية …نتائج وضحايا
الأنظمة الشمولية تستخدم خطاب الكراهية ضد معارضيها كوسيلة لتشويه سمعة المعارضين باتهامهم اتهامات سيئة (تخوين، عمالة، تكفير، ارهاب، فساد، …) من أجل السيطرة عليهم أو تبرير قمعهم.

كردياً: من خلال تصفح التاريخ الكوردي يتبين أن الشعب الكوردي من أكثر ضحايا خطاب الكراهية حيث استخدمت كل الأساليب والتعابير المسيئة حتى وصل الأمر الى استخدام الآيات القرآنية ضده وكأنه (شعب كافر؟!) (محارب ضد الاسلام؟!)، لذا فان (أطفاله ونسائه وأمواله) غنيمة للمسلمين؟! ليتعرض لأبشع صنوف التعذيب والحرمان بل وحتى القتل والتصفية الجسدية كما حصل في عمليات (الأنفال = سورة من القرآن الكريم) وهي إحدى العمليات التي شنها النظام العراقي السابق (نظام صدام حسين) ضد الكورد في العراق.

نفذت عملية الأنفال على ثماني مراحل عسكرية ابتداءً من 22 شباط لعام 1988 ولغاية 6 أيلول من العام نفسه، بمشاركة القوات النظامية من الجيش والأمن، واستخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة المحرمة دولياً (السلاح الكيمياوي من الخردل والسيانيد وغاز الأعصاب والفوسفور)، وقد راحَ ضحيتها 182 ألفَ كوردي بينهم الآلاف من النساء والأطفال دفنوا أحياء في صحارى جنوب العراق في مقابر جماعية، حيث تم بالفعل انتشال الكثير من الجثث.

وأدت عمليات الأنفال هذه إلى تدمير أكثر من 5 آلاف قرية، والأنفال وفقاً للمقاييس الدولية للجرائم تدخل في اطار جرائم الابادة الجماعية (الجينوسايد)، وفق تقارير المنظمات الدولية لمراقبة حقوق الانسان، وقرارات السلطات العراقية، حيث اعتبرت محكمة الجنايات العليا العراقية في مطلع عام 2010 حملة الأنفال “جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية”، هذا بالإضافة الى تغييب ما يقارب (8000) شخص كوردي من عشيرة بارزان أعمارهم ما بين (12-70) عاماً، في حملة اعتقالات بدأت في صبيحة يوم 30/7/1983، وتم نقل المعتقلين الى جنوب العراق بحماية عسكرية.

ثم جاء صدام حسين الى كوردستان ليبث سموم الكراهية والحقد على الكورد عموماً والبارزانيين بشكل خاص في خطاب ناري حاقد، وصف البارزانيين: (بأنهم مجرمون، وأعلن انهم نالوا جزائهم)، وبعد سقوط نظام صدام حسين تم العثور على جزء من رفات الضحايا في صحاري جنوب العراق حيث تم اعادة دفنها ببارزان في مقبرة خاصة.

كما أن حملة الابادة الجماعية التي تسببت بمقتل الألاف من الطائفة الإيزيدية الكوردية في شنكال واختطاف وتشريد آلاف آخرين هرباً من الموت، فضلا عن تعرض مئات النساء الإيزيديات للاغتصاب الجماعي، وبيع العشرات منهن كسبايا على يد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بعد احتلالها في 4 آب 2014 أمثلة صارخة أخرى على ضحايا خطاب الكراهية ضد هذه الفئة باتهامها بالكفر والالحاد لتبرير عمليات القتل والتشريد بهدف العبث بديمغرافية المنطقة وتغييرها، بالإضافة الى عمليات والنهب والسلب وسبي النساء باعتبارهن غنائم. ثم عاد خطاب الكراهية ليطل برأس ضد الإيزيديين بقوة مؤخراً عقب احتراق مسجد في سنجار في 27 نيسان 2023.

في سوريا كان خطاب الكراهية ولا زال سائداً ضد الكورد حيث العمل جار على قدم وساق ليس فقط على تشويه سمعة الكورد بل وشيطنتهم باعتبارهم (انفصاليين يعملون من أجل اقتطاع جزء من البلاد، عملاء للأجانب، اسرائيل ثانية، …) من أجل شرعنة وتبرير الاضطهاد القومي للكورد، حيث حرم عشرات الآلاف منهم لعشرات السنين من الجنسية الوطنية وما استتبع ذلك من حرمان من أبسط الحقوق المدنية والانسانية (السفر، التملك، تسجيلات الزواج والولادات، …) وعلى العموم حرم الكورد من حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية ومنعوا من التكلم بلغتهم واستخدام ثقافتهم وفولكلورهم، بل وصل الأمر إلى حد الفصل من الوظائف والأعمال على أساس الانتماء القومي.

كل ذلك بعد تشويه سمعة المكون الكوردي من خلال خطاب الكراهية الذي وجه ضد هذا المكون، ولكن حدة خطاب الكراهية ضد الكورد زادت عقب سقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003 حيث بدأ النظام من خلال قنواته وأدواته المختلفة بكيل الاتهامات جذافاً للكورد وتحميلهم مسؤولية سقوط بغداد بيد الأمريكان بحجة أن الكورد هم من جلبوا الأمريكان الى المنطقة، وهكذا بتحليل بسيط وساذج استطاع تسعير نار الكراهية والحقد والضغينة في نفوس المكون العربي وتأليبه على الكورد ما أدى الى تشكيل رأي شعبوي ضد الكورد عبر عن نفسه في أحداث الملعب البلدي بالقامشلي في آذار 2004 ونفذ على يد مشجعي نادي الفتوة القادم من دير الزور لحضور مباراة الفريق مع نادي الجهاد الرياضي في القامشلي على شكل حملة مسعورة من خلال شعارات استفزازية تهين الكورد وقاداتهم ورموزهم أولاً، ومن ثم الاعتداء الجسدي على مشجعي نادي الجهاد ما أدى الى استشهاد وجرح العديد منهم بعد تدخل الأجهزة الأمنية بأسلحتهم الى جانب مشجعي نادي الفتوة، فكانت انتفاضة كوردية اتسعت بسرعة فاقت كل التوقعات، وأثر ذلك حتى على خطاب المعارضة لاحقاً، وهذا ما لاحظناه من خلال ممارسات الفصائل المسلحة المحسوبة على المعارضة ضد الكورد في المناطق التي احتلتها (عفرين، كري سبي/ تل أبيض، سري كانيه/ رأس العين) وكمية الحقد والكراهية المشحونة في خطاباتها الشوفينية التي تلامس خطاب السلطة بل وتتماهى معه فيما يخص المكون الكوردي.

الكورد في مدينة قامشلو/ القامشلي يحيون ذكرى انتفاضة القامشلي 2004

الكوردي في خطابات المعارضة كالكوردي في خطابات المولاة (ارهابي، اسرائيلي، كافر، تقسيمي، عدو العرب والمكونات السورية الأخرى، …) أو عميل، لذلك نرى تلك الممارسات الشنيعة البعيدة عن منطق الحق والعدل والانصاف كترهيب السكان الآمنين وترويعهم والاستيلاء على ممتلكاتهم وعقاراتهم بل حتى وصل الأمر إلى العبث بالطبيعة وحرق الأحراج والزرع، كما أن خطاب الكراهية ضد الكورد في تركيا حاد لدرجة انكار هويتهم القومية (أتراك الجبال) واتهامهم بالإرهاب وهذا ما كان سبباً في استمرار المجازر والحروب ضد الكورد خلال تاريخ الدولة التركية.

سورياً: لم ينج أي من المكونات المجتمعية في سوريا من خطاب الكراهية الموجهة وان كان للكرد النصيب الأكبر كما ذكرنا آنفاً، فقد استخدمت كافة الأساليب ونفخ في بوق كل النعرات لإشعال فتيل الفتنة المجتمعية تارة من خلال العزف على وتر الأقليات وحمايتها، وأحياناً من خلال العزف على وتر العروبة (سوريا قلب العرب النابض)، ومرة باسم محاربة الارهاب والاسلام السياسي، وهو في الحقيقة خطاب أحادي اقصائي لا يقبل المختلف أو المعارض ويشكك في كل من يخرج عن النمطية المفروضة من النظام، وجاءت الثورة السورية لتفتح الباب على مصراعيه لتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي فتزداد الهوة وتتوسع الفجوة في جدار المجتمع السوري ليستفحل معها خطاب الكراهية لا سيما بعد أن انحرفت المظاهرات السلمية التي انطلقت من درعا أواسط آذار 2011 باتجاه السلاح والعسكرة لتصب الزيت في نار الكراهية المتبادلة بين أطراف الصراع حيث العزف على وتر الطائفية والمذهبية، دكتاتورية السلطة، وقمع المتظاهرين السلميين، ووصم المتظاهرين بالإرهاب بالارتزاق والعمالة للخارج وبأنهم أدوات لتنفيذ مؤامرة كونية ضد انجازات النظام وصموده في وجه الامبريالية والصهيونية.

تاريخياً: خطاب الكراهية قديم منذ بداية الخليقة، وقد تمثل على شكل قوانين مجتمعية في مراحل تاريخية، ففي أمريكا كان التمييز على أساس اللون سارياً كقانون ونظام مجتمع، ينظر للسود على أنهم فئة دونية من البشر وليس من حقهم التعلم في مدارس البيض أو الأكل في مطاعم البيض أو الشرب من أحواض البيض أو الالتحاق بالوظائف الهامة مثل البيض أو حتى التصويت في الانتخابات وركوب الحافلات حتى تاريخ 19 حزيران 1865.

كما كان نظام الفصل العنصري (الأبارتيد) في جنوب افريقيا من عام 1948 حتى عام 1990 يقوم على تفضيل الإنسان الأبيض “العرق الأرقى” على الإنسان الأسود “العرق الأدنى” الذي يعتبر كعبيد يحرم من (حرية التنقل، و حق الاقتراع، وحق التملك، …).

مظاهر نظام الفصل العنصري الأبارتيد

وكذلك النظرية النازية التي نشأت في ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى وتوقيع معاهدة فرساي عام 1919 تقوم أساساً على التفوق العرقي الألماني، ومع وصول النازيين الى السلطة بين عامي (1933-1945)، بدأوا بتطبيق السياسات والقوانين العنصرية بحق أجناس بشرية تعتبرها النازية أعداء (اليهود، السود، الغجر، …) وحرمانهم من حقوقهم كما بدأوا بحملة ابادة جماعية وتطهير عرقي في المناطق الشرقية المحتلة في بولندا والاتحاد السوفيتي حيث كانت الضحايا ملايين اليهود والبولنديين والغجر بالإضافة الى ملايين الجنود الأسرى الروس.

وفي ميانمار سقط آلاف القتلى من مسلمي الروهينغا وفر حوالي المليون من الموت إلى الدول المجاورة نتيجة خطاب الكراهية للنظام الحاكم.

انتشر خطاب الكراهية مؤخراً بشكل واسع مع تصاعد ظاهرة الاسلاموفوبيا في أوربا وتفاقم أزمة اللاجئين وكان اللاجئون السوريون من أكثر ضحايا التنمر وخطاب الكراهية في البلدان المضيفة كما يحصل في لبنان وتركيا.

مكافحة خطاب الكراهية …السبل والأدوات
خطاب الكراهية تعبير (تمييزي، متعصب، ازدرائي، احتقاري، مهين، مذل) لفرد أو مجموعة، لذلك فان مفتاح عملية مكافحة خطاب الكراهية يكمن في ترشيد الخطاب واستعمال العبارات اللطيفة، وهنا يبرز دور ومسؤولية وسائل الاعلام في إخماد خطاب الكراهية الباعث للبغضاء والإقصاء والمحرض للفتن والقلاقل من خلال العمل على دحر الفكر الاقصائي وترسيخ وتعزيز قيم التنوع والتلاحم ونشر ثقافة المحبة والإخوة الإنسانية وارساء دعام الامن والسلم الاجتماعيين. إلى جانب المؤسسات المجتمعية الأخرى (منظمات المجتمع المدني، وكافة مؤسسات المجتمع الأهلي والديني، إضافة إلى مؤسسات الدولة) في العمل على ازكاء ثقافة التسامح والتعايش السلمي وقبول الآخر بخصوصيته المختلفة والحض على الوئام والتآلف، وتحريم الازدراء والاستهتار بمشاعر ومبادئ ومقدسات الآخرين ونبذ كل مظاهر العنف والارهاب الفكري، والنفسي، والجسدي على مبدأ (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، من خلال فتح أبواب الحوار على مصراعيه من أجل تعريف المكونات ببعضها وازالة التخوف المتبادل بين كافة الأطراف وتوجيه بوصلة الأفراد لتأكيد الطبيعة الخيرة للإنسان وانماء الوعي بحقيقة طبيعتنا البشرية الواحدة (كلكم لآدم وآدم من تراب) ارتباطنا العضوي مع بعضنا بعضاً كشعوب وأمم وبأننا جزء لا يتجزأ من العائلة الانسانية، وايجاد لغة للتفاهم على قاعدة المصالح المشتركة المبنية على السلم الأهلي، والتداول السلمي للسلطة.

خطاب الكراهية كظاهرة اجتماعية سياسية معقدة ومركبة، تفاقمت وانتشرت لتكون آفة مجتمعية مع تطور وانتشار وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي بفضائه الواسع دون رقيب أوضوابط أخلاقية أو قيود وقوانين رادعة فأبواب تلك المواقع باتت مشرعة أمام من يغذّي الكراهية المتخمة بالحقد على الآخر لذلك لم يعد بالإمكان القضاء على الكراهية ما لم تتضافر جهود مختلف المؤسسات والهيئات لبناء جدران وقائية لتحصين المجتمع ضد الأفكار الهدامة التي تغذي النعرات ومن ثم العلاج من خلال سن قوانين تعاقب على ترويج خطاب الكراهية وتكافح التمييز وتمنع العنصرية بكل أشكالها، وتطبيقها بما يضمن التعايش السلمي واحترام المكونات المختلفة.

*الصور في التقرير من النت