مدونة آسو
أهمية التحقق من المعلومات في زمن التزييف العميق
أدوات ومنهجيات عملية لتجنب وقوع مستخدمي الإنترنت والصحفيين/ات والناشطين/ات في فخ الأخبار المفبركة
“تمّّ كتابة هذه المادة من قبل فريق “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ضمن مشروع خاص لتدريب صحفيين/ات ومدافعين/ات عن حقوق الإنسان على تقنيات التحقق الرقمي، وجرى نشرها بالتعاون مع المنظمات ووسائل الإعلام الشريكة التالية: منصة نكستوري، وكالة نورث برس، مجلة صور، ترو بلاتفورم، شبكة آسو ومنظمة نكستيب”
مقدمة:
يكتسب التحقق من المعلومات المنشورة على الإنترنت أهمية خاصة في عصرنا الحالي، لا سيما في ظل ما نعيشه من ازدحام معلوماتي مصحوب بكمّ هائل من تزييف الوقائع وقلب الحقائق ونشر الشائعات والتنافس على لفت الأنظار والترويج للإيديولوجيات والأفكار، في بيئة خصبة مقرها وسائل التواصل الاجتماعي التي فتحت الأبواب أمام جميع المستخدمين لمشاركة المحتوى والمساهمة في عملية صناعة الأخبار التي لم تعد حكراً على وسائل الإعلام المتخصصة.
ووسط كومة البيانات الكاذبة، والتي قد تشمل أيضاً الصور والفيديوهات والمقاطع الصوتية والملفات الشخصية والمواقع الإلكترونية المزيفة، المتناقلة عبر الإنترنت سواء بهدف التضليل أو بنوايا حسنة، بات من الضروري علينا وضع عدسة المحقق لفحص هذه البيانات، واستجلاء حقيقتها، والتعرّف على مواضع التزييف فيها، وكشف المروّجين لها كي لا نقع في فخّ نواياهم التي تصبّ في خدمة مصالحهم على حساب نشر الحقائق.
مخاطر المعلومات المضللة:
تلعب الأخبار والمعلومات المنشورة على شبكة الإنترنت أهمية كبرى في حياة الناس، وتشكّل مرجعاً مهماً لبناء تصوراتهم عن الواقع وأحكامهم حول الأحداث الدائرة، وقراراتهم المستقبلية، ولذلك قد ينجم عن نشر أي خبر زائف أو معلومة مضللة أمور لا تُحمد عقباها على حياة الفرد والمجتمع عامة.
فكم من خبر خاطئ تسبّب في شنّ حروب وقطع علاقات بين دول، أو انهيار أسهم مؤسسات وإفلاس أشخاص، أو تفكّك أسر وتشويه سمعة أفراد وانتهاك خصوصياتهم.
وعليه لم تعد مَهمّة المؤسسات الإعلامية مقتصرة على تزويد الجمهور بالمعلومات والأحداث الجارية، بل أضيف على عاتقها واجب تدقيق الأخبار والتأكد من صحتها قبل نشرها، ومن ثم دعمها بمصادرها وسياقاتها الأصلية لتوسيع فهم القارئ ونيل ثقته، لكن ذلك وضعها بمواجهة معادلة صعبة تحاول من خلالها الموازنة بين حصرية وسرعة نشر الخبر وبين التأكّد من صحته.
ولا يجب أن يقتصر امتلاك أدوات التحقق على الصحفيين والعاملين فـي مجال تحرّي الحقائق، إذ يتعيّن على أي شخص يتصفح الإنترنت ويستخدم وسائل التواصل الاجتماعي أن يوسّع مصادر بحثه، ويفعّل النظرة النقدية من خلال عدم الوثوق في كل ما يُنشر والتشكيك في صحته، والتوقف عن مشاركة أي محتوى دون التحقق من مصداقيته، خاصة إذا كان متضمناً عناوين جذابة أو معلومات غير متوقعة وصادمة ومثيرة للجدل أو يلعب على وتر العواطف والغرائز البشرية.
يعدّ تفشي الأخبار المزيفة عبر الإنترنت تحدياً كبيراً يهدد الأمن والسلم المجتمعي، وقد أسهم الانتشار السريع للمعلومات المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة الانقسامات المجتمعية، وتزييف الوعي، وإثارة العنف، وتقويض الهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتأثير في تشكيل اتجاهات الرأي العام.
الركائز الخمس لعملية التحقق من المعلومات:
للتحقق من مصداقية أي خبر منشور على شبكة الإنترنت لا بدّ من إجراء عملية بحث واسعة حول ما يلي وفقاً لمنصة “First Draft” المتخصصة في دراسة المعلومات المزيفة عبر العالم:
➢ لا يمكن أن نحصل من خلال عملية التحقق الرقمي على إجابة محددة أو معلومات مضمونة بشكل مطلق، بل قد يقتصر الأمر على جمع أكبر قدر ممكن من الأدلة ومن ثم ترجيح كفة الصواب مقابل الخطأ، وهو شبيه بما يقوم به محقق الشرطة الذي يجمع كل ما يتوصل إليه من معلومات مثل الأسماء والصور والمواقع والاعترافات المهمة على لوح واحد ثم يقوم بوصل الخطوط بين القرائن.
➢ من الأسهل بكثير إثبات أن المعلومات خاطئة أو مضللة من أنها صحيحة وحقيقية مئة بالمئة.
كيف نميز الأخبار المزيفة؟
إن التحقق من الأخبار الخاطئة والمضللة التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي يبدأ بالشكّ في مصدر الخبر ومدى مصداقيته، خاصة عندما تكون المعلومات غير متوقعة أو جديدة.
● مصدر الخبر أو الجهة الناشرة له: يتعين فحص الحساب الذي تم استخدامه لنشر الخبر، فقد يكون “بوت – BOT” (حساب أوتوماتيكي تديره خوارزمية من دون تدخل بشري، يحرّض على النقاش والجدل عبر الإنترنت بشكل اصطناعي)، أو “متصيد” (مستخدم حقيقي يروّج لأخبار تحريضية أو كاذبة عن قصد، وهو بعكس البوت يمكنه تقديم مشاركة فردية والتفاعل مع مشاركات المستخدمين الآخرين من خلال التعليق والرد).
كما يجب مراقبة تاريخ إنشاء الحساب (توخّ الحذر من الحسابات الجديدة)، مدى انتظامه في النشر وإجراء التحديثات، عدد متابعيه والأشخاص الذين يتابعهم وهل هم أشخاص حقيقيون أم عشوائيون، إلى جانب نوعية منشوراته للتعرف على دوافعه واهتماماته وتوجهاته وإن كان ينفذ أجندات جهة معينة أو له سوابق بنشر أخبار كاذبة، كما يجب أن يتطابق عنوان “URL” الخاص بالحساب مع اسم مالكه.
● العنوان: عادة ما تكون عناوين لافتة للنظر ومبالغ فيها وغير متوافقة مع محتوى الخبر، تثير مشاعر الناس وغرائزهم أو دهشتهم واستغرابهم.
مثال: نشرت صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي معنية بنقل أخبار السوريين في تركيا خبراً عنونته: عضو في مجلس بلدية “قيصري” التركية عن حزب “الجيد” المعارض، يقول: “إن كثافة عدد السوريين في مركز مدينة قيصري أسهم بارتفاع تلوث الهواء”.
بالرجوع إلى الخبر الكامل الذي نشرته وسائل إعلام تركية يتبيّن أن التصريح يتضمن جانباً من الصحة لكنه مجتزأ من سياقه.
إذ قال عضو مجلس بلدية “قيصري” عن حزب “الجيد” المعارض، أوميت ياسين تونتشبيليك، “من أسباب تلوث الهواء الزيادة السريعة في عدد السكان، والتوسع الحضري الخاطئ، والزيادة الملحوظة في استخدام المبيدات الحشرية والمواد الكيميائية” مضيفاً: “إن تواجد السوريين بشكل كبير في مركز المدينة وحرقهم مواد غير مناسبة يتسبّب أيضاً بتلوث الهواء”.
● الصورة: غالباً ما تحتوي على عنصر جذب للفت النظر وإثارة الفضول لتحفيز الناس على الوقوف عند الخبر وقراءته، وقد تكون مركبة من عناصر غير متجانسة أو معدّلة بطريقة غير احترافية، كما قد تكون صورة قديمة وتنشر على أنها لخبر راهن.
مثال: تداول عدد من حسابات مواقع التواصل الاجتماعي صورة تظهر فيها مجموعة من الحقائب على أنها للاجئين سوريين غرقوا في البحر المتوسط أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، وقد جُمعت بمتحف في إيطاليا.
يُظهر البحث العكسي عن الصورة أنها عمل فني لحقائب مهاجرين غير شرعيين دخلوا الولايات المتحدة الأمريكية قادمين من المكسيك عبر صحراء سونورا في ولاية أريزونا.
● تفاصيل الخبر: يمكن أن تتضمن أخطاءً إملائية ولغوية، جملاً تحريضية أو مثيرة للقلق، هجوماً وإساءة لشخص أو جهة، معلومات مبالغ فيها دون الإشارة إلى المصدر، تصريحات مجتزأة وخارجة عن سياقها، كما يمكن ألا ترقى إلى ما تم الإعلان عنه في العنوان، ولا تتضمن إجابات واضحة عن الأسئلة الستة الأساسية التي تكوّن الخبر وهي: من، أين، متى، ماذا، لماذا، كيف.
مثال: نشرت وكالة “Sputnik” الروسية، خبراً بعنوان “أطباء سويديون: تم قتل الأطفال السوريين عمداً قبل تصويرهم في تمثيلية الكيميائي”، ترجمته عن موقع “Veterans Today“، الذي اتهم خلاله نقلاً عن منظمة الأطباء السويديين لحقوق الإنسان (SWEDRHR) منظمة “الخوذ البيضاء” بقتل الأطفال من أجل تصوير مقاطع إعلامية أكثر واقعية.
نفت المنظمة السويدية في بيان لها اتهامها “الخوذ البيضاء” بقتل الأطفال معتبرة أن موقع “Veterans Today” حرّف الخبر من خلال صياغته بطريقة غير دقيقة، مضيفة أنها راعت باستنتاجاتها التي أصدرتها عدم توجيه أي اتهام لأية جهة.
وأشارت المنظمة إلى أن الطفل الذي ظهر في مقطع الفيديو الذي نشرته “الخوذ البيضاء” للمصابين جراء الغازات التي استهدفت مدينة “خان شيخون”، ربما يكون قد توفي خلال الفترة التي جرت فيها محاولة إنقاذ حياته، وهو ما لا يعني التأكيد على أن موظف “الخوذ البيضاء” تسبّب في وفاته.
➢ تحقق ما إذا كان حساب الشخص أو الجهة الناشرة موثقاً بشارة التحقق الزرقاء، والتي تدل على أن الصفحة أصلية وتمت المصادقة عليها، وهو ما يساعد على التمييز بين الصفحات الرسمية و الصفحات المزيفة الوهمية.
➢ يمكن أن تنشر الصفحات الموثقة بالعلامة الزرقاء ووسائل الإعلام المرموقة معلومات خاطئة أو مضللة، سواء عن طريق الخطأ أو عند نشرها أخباراً عاجلة في أثناء محاولتها تحقيق سبق صحفي، لذلك لا بدّ من التشكيك ومحاولة التحقق من صحة ما نطالع عبر الإنترنت.
خطوات إضافية للتحقق من صحة المعلومات:
1. التأكد من مصداقية المعلومات أو الأخبار الواردة في المنشور لمعرفة إن كانت حقيقية أم مجرد مزاعم وادعاءات، وذلك إما عن طريق محركات البحث التي ستُظهر نفس المحتوى أو محتويات مشابهة له في مصادر إخبارية أخرى عبر الإنترنت، أو بالعودة إلى المدرسة القديمة التي تعتمد على الاتصال بالأشخاص المتواجدين في المكان أو الشهود المباشرين، أو بالخبراء ذوي الصلة بالمجال.
2. البحث في المواقع والصفحات الخاصة بالمؤسسات الحكومية أو الدولية التي توفر بيانات ووثائق رسمية ودراسات وتصريحات وإحصائيات موثوقة تدعم صحة الخبر.
3. التحقق من تاريخ النشر هل هو حديث بالفعل أم أنه قديم وتمت إعادة نشره بغرض التزييف.
4. الحذر من التزييف العميق: سهّلت تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل برامج استنساخ الصوت، وتوليد النصوص إلى صور وغيرها من إنشاء محتوى مضلل، ويُحذر خبراء من استخدام هذه المعلومات لخداع الجمهور، والتأثير على الرأي العام، والتحريض على العنف.
5. استخدام مواقع تدقيق المعلومات المتخصصة الموثوقة والتي تعمل على تقصي صحة الأخبار مثل:
FactCheck.org
Full Fact
Snopes
True Platform
فتبينوا
مسبار
في ميزان فرانس برس
محققو موقع لوموند الفرنسي