Connect with us

أخبار وتقارير

“العتالين” بين مطرقة الحاجة وسندان غلاء الأسعار

نشر

قبل

-
حجم الخط:

آسو-أحمد دملخي

لدى مرورك من جانب جامع النور تصادف تجمعات لعشرات الرجال والشباب على جانبي طريق الجزيرة وصولاً إلى مدرسة القاسم، إنهم عمال يعيشون على العمل بالأجور اليومية، وساحة الخضرة القريبة من الجامع نقطة تمركز لهم كونها قريبة من شارع خانات الأعلاف والحبوب، كما يتوجه معظم الأهالي إلى تلك الساحة لطلب عمال بأجور يومية بقصد تنفيذ أعمال الحمل والنقل.

وتتراوح أعمار من يعمل بهذا المجال بين 18 إلى 60 عام، وأغلبهم ممن ترك الدراسة في وقت مبكر بسبب ظروف المعيشة، وهم يتقنون هذه الحرفة ولهم أجساد قوية البنية، ويمتلكون معداتهم من خطافات وغيرها، وتعاني هذه الشريحة في منبج بشكل كبير بسبب عدم انتظام دخلها، وارتفاع أسعار المواد بشكل كبير يقابله انخفاض أجور عملهم، ويبدو أن ضعف حركة الأسواق أثر في الطلب على الخدمة التي يقدمونها.

الوضع المعيشي والإجتماعي للعتالين

في لقاء خاص أجراه مراسل شبكة آسو الإخبارية مع أحد العتالين ويدعى “أبو حنان” (50 عام) تحدث عن الوضع المعيشي والاجتماعي له فقال، “أعمل في هذه المهنة منذ قرابة 20 عام وقد تركت الدراسة في المرحلة الابتدائية، لأعمل مع والدي بالزراعة في قرية الخطاف، و بعد وفاة والدي تقاسمنا الورثة ولكن لم تكفي الحصص لنا كون عددنا كبير”

عمل “أبو حنان” في التجارة ولكنه خسر ما كان يملكه، وهو متزوج مرتين ولديه إحدى عشرة بنت.

تجمع العتالين على طريق الجزيرة في منبج

يقول “أبو حنان” إنه نادرا ما يزور أصدقائه أو أقاربه كون العمل يتطلب منه الاستيقاظ من السادسة صباحاً والتوجه لساحة العتالين، وفي كثير من الأوقات يتأخر في العودة للمنزل بسبب كثرة العمل، ولطبيعة هذا العمل الشاق يكون جسمه منهكا وغير قادر على السهر، لذلك يتعشى ثم يخلد للنوم استعداداً لليوم التالي، وبهذا لا يكون لديه وقت فراغ يملؤه بزيارة الناس.

وحسب “أبو حنان”، فإنه في ظل الأوضاع أصبحت الأعمال ضعيفة جداً فهم يجتمعون منذ الصباح في ساحة العتالين وبأعداد كبيرة وقد تمر أيام دون أن يأتي أحد لطلب شخص واحد منهم.

يقع منزل” أبو حنان” في أحد الأحياء الشعبية على طريق الجزيرة وفي كثير من الأوقات يتجنب المرور أمام محل بقالة الحي كونه استدان من صاحب البقالة مواد بمبلغ كبير، ويقول “هو لم يطالبني بحقه ولم يرسل في طلب أي مبلغ مالي، لكني أخجل من المرور أمامه دون أن أدفع ولو جزء بسيط من ديني فاليوم كل شيء أصبح مرتفع الثمن وهناك أشياء ضرورية في المنزل كالسكر والرز والزيت لذلك أحاول بكل ما أستطيع أن أؤمن حاجات المنزل”.

أجور منخفضة في ظل ارتفاع أسعار المواد

أبو عبد الله (37 عام) نزح من ريف حلب الشرقي خلال فترة سيطرة داعش وبسبب قلة الأعمال والمردود المادي لم يكن أمامه خيار إلا العمل كعتال، يقول إنه يعاني مع عائلته من خطر الطرد خارج المنزل كون الأعمال متوقفة بشكل شبه كامل وقد مر شهران ولم يدفع لصاحب المنزل ليرة واحدة من مستحقات الإيجار، كما أن أكبر أطفال “أبو عبدالله” ترك المدرسة بسبب عدم قدرته على تأمين متطلبات الدراسة له من كتب وقرطاسية”.

يقول “أبو عبد الله” “منذ بدأت العمل في هذا المجال كانت أجور عمل يوم واحد تصل وسطياً إلى (3500) ل.س، لكن اليوم أصبح الدولار بثلاثة أضعاف تلك الفترة وكل شيء زاد عن الحد المقدور عليه كما أنه في كثير من الأوقات لا أعمل طوال اليوم غير الجلوس على رصيف الطريق منتظراً رزقي في حمل لمحل جملة أو بناء سكني أو حتى نقل أثاث منزلي”.

وفي الحديث عن الأجور التي يتلقاها العمال بشكل عام تحدث “أبو عبد الله”، “تختلف تسعيرة أجورنا حسب طبيعة العمل وكميته ففي مواد البناء فإن نقل الطوب إلى الطابق الأول يتم بمبلغ 15 ل.س لكل حجرة طوب واحدة و25 لبقية الطوابق (بشرط أن لا تتجاوز الثلاثة) أما في المواد التي تقاس بالوزن كالحبوب والأعلاف والسكر فكل طن واحد من المواد ينقل بمبلغ (500- 700) ل.س وهذه الأسعار لم تتغير منذ قرابة خمس سنوات وفي كثير من الأحيان نعمل بأجور أقل”.

ظروف عمل صعبة وبدون تأمين طبي

يقول عبود (32 عام) لشبكة آسو الإخبارية، “نعمل منذ الصباح إلى مغيب الشمس والكثير منا يعمل فوق طاقته وظروف عملنا صعبة وخاصة في حال وقوع حادث عرضي فنحن نحمل أوزانا ثقيلة على أكتافنا وأي خطأ في الحمل أو اختلال بالتوازن يسبب ضررا على العمود الفقري أو يكسره لذلك يتوجب علينا الحذر فحقنا سيضيع إذا ما تعرضنا لحادث خلال العمل وسيقضي العتال حياته مقعدا في منزله وقد لا يجد من يقدم أي مساعدة”.

ظروف عمل العتالين صعبة

وتحدث عن مأساة شخص يعرفه من زملائه العتالين وكان قد سقط عن جسر خلال نقل أكياس الحبوب من أحد الخانات أيام احتلال داعش للمدينة وسقط فوقه ما كان يحمله مما تسبب في كسور ضمن فقرات عموده الفقري، وبعد نقله إلى إحدى مستشفيات المدينة بدأ الصراع بين صاحب الخان والتاجر صاحب البضاعة المنقولة حول من هو المسؤول عن هذه الحادثة، ونتيجة لخوف الطرفين من حكم داعش عليهما قاما بدفع أجور المستشفى مناصفة ومن ثم منحا عائلة العتال مبلغ وقدره 35 ألف ل.س فقط، ما يوازي قيمته تلك الفترة (100$) أمريكي، وهو الآن لا يستطيع النهوض من فراشه إلا بمساعدة شخص آخر، فكيف للعتال ألا ينتبه خلال عمله من الوصول إلى تلك النهاية”.

في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية القاسية تتساقط فئات كثيرة من المجتمع بين رحى إرتفاع الأسعار وقلة الأعمال، وتعتبر هذه الفئة، فئة العتالين، من الفئات الأكثر تضرراً في ظل غياب أبسط الحقوق ضمن العمل وهو حق التأمين الطبي في حالة الحوادث، وحتى مع التأمين الطبي سيكون الحادث نهاية حياة العتال….
فما هو مصير هذه الطبقة إن استمرت الصعوبات والأزمة الاقتصادية بالضغط عليهم؟