Connect with us

مدونة آسو

“لا تتكلم، أطلق النار”… ماذا يفعل الموساد في إيران؟

نشر

قبل

-
حجم الخط:

الکاتب: ژیار گل*
ترجمة: شبكة آسو الإخبارية

في الحادي والثلاثين من كانون الثاني/يناير 2018، حطمت مجموعة مجهولة أبواب مستودع مهجور في منطقة شور آباد الصناعية بطهران، وأذابوا في أقل من 7 ساعات أقفال 27 خزنة، ليتمكنوا من الوصول إلى أرشيف آلاف الخرائط والمخطوطات، والأقراص المدمجة التي تحتوي المعلومات السرية عن برنامج إيران النووي.

بعد مضي ثلاثة أشهر على هذه العملية السرية، عُرضت الوثائق المسروقة، في تل أبيب، على بعد ألفي كيلومتر من شور آباد.

كشف بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، عن عشرات المصنفات والأقراص المدمجة التي سرقها عملاء الموساد من طهران ونقلوها إلى إسرائيل، وفقاً لقوله.

وصف المسؤولون الإيرانيون حينها هذا الادعاء بأنه كاذب، وأن الوثائق التي يجري الحديث عنها هي مزورة. لكن على أعتاب الانتخابات الرئاسية عام 2021 أكد مسؤولون إيرانيون كبار، بمن فيهم الرئيس الإيراني آنذاك، سرقة هذه الوثائق.

ولعلّ الأسئلة التي تتبادر إلى الأذهان هي كيف علِم الموساد بمكان الاحتفاظ بالأرشيف السري للبرنامج النووي الإيراني، وكيف تمكن من سرقتها؟ وما هو دور هذا التنظيم في التفجيرات وأعمال التخريب في المنشآت الإيرانية الحساسة وقتل الأفراد ممن هم على صلة بها؟
من أجل العثور على إجابة لهذه الأسئلة والتحقيق في واحدة من أكثر المنظمات الاستخباراتية غموضاً وسريةً في العالم، سافرتُ إلى تل أبيب، عاصمة إسرائيل، حيث يوجد فيها مركز قيادة المؤسسات العسكرية والأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية.

“لا تتكلم، أطلق النار”
إنّ أنشطة الموساد سرية للغاية، لدرجة أنّ الكثيرين لا يعرفون أين يقع المبنى الرئيسي له بالضبط. يشتهر الموساد بالصمت والعمل السري، حتى فيما يتعلق بأنجح العمليات المنسوبة للمنظمة؛ ومن الأمثلة على ذلك، العملية المعقدة لاغتيال محسن فخري زاده، أحد الشخصيات وراء كواليس البرنامج النووي الإيراني، والذي اغتيل قرب طهران، دون أن يؤكد أي مسؤول كبير وقوف إسرائيل وراء ذلك.

رفض وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس أيضاً في مقابلة مع قناة بي بي سي الناطقة بالفارسية، التعليق على عملية الاغتيال، واكتفى بالقول: إنّ “إسرائيل تمتلك أحد أقوى الأنظمة الاستخباراتية والدفاعية في العالم، وهي تفعل كل ما يلزم لحماية نفسها، وهي تستخدم في ذلك أساليب مختلفة”.

لذلك أثارت صراحة رئيس الموساد السابق يوسي كوهين في المقابلة التي تحدث فيها عن تفاصيل سرقة الوثائق النووية، وكشفه عن أنّ الموساد كان يراقب محسن فخري زاده منذ سنوات، أثارت جدلاً وانتقاداتٍ من المسؤولين والقيادات الأمنية الإسرائيلية.

اللواء الإسرائيلي المتقاعد، عاموس جلعاد، هو من بين هؤلاء الأشخاص الذين يقولون إنّ إذلال العدو ليس مفيداً لإسرائيل: “إذا كان من المفروض أن تطلق النار، أطلق النار، لا تتكلم، فالكلام لا يتناسب مع الحمض النووي للموساد. لدى الموساد تاريخ في تخطيط وتنفيذ عمليات على مستوىً عالٍ، دون أن يتبناها. إنه يعمل سرّاً وبدون دعاية”.

يقول رونين بيرغمان، وهو صحافي وكاتب إسرائيلي لديه أبحاث واسعة حول عمليات الموساد، إنّ أصابع الاتهام تتوجه، مع كل حادثة مشبوهة تحدث في إيران، نحو الموساد؛ بدءاً من حدوث الاختلال في شبكة الكهرباء وصولاً إلى حركة القطارات.

وهو يعتقد أنه لا علاقة لمعظم هذه الحالات بإسرائيل والموساد، لكنه يقول: “هذا في حدّ ذاته، دليلٌ على أنّ الموساد لديه قدرات تفوق التصوّر، وهذا هو أهم نجاح للموساد، لأنه يزرع الخوف والرعب في نفوس الأعداء والخصوم.”

وفي هذا السياق، قال نورمان كبير عملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، لبي بي سي الفارسية، إنّ وصول إسرائيل إلى الأرشيف السرّي لبرنامج إيران النووي هو “أحد أنجح عمليات التجسس في التاريخ المعاصر”. ووفقاً لاعتقاده، فإنّ هذه الوثائق أثبتت أنّ إيران كانت وما تزال تنوي صنع الأسلحة النووية، وأنها حافظت على هذه القدرة”.

تمكنت البي بي سي من الوصول إلى عدد من الوثائق المسروقة، وتجدر الإشارة إلى أن بي بي سي لا تستطيع تأكيد صحة هذه الوثائق، لكن هذه الوثائق كانت ذات إجراءات إدارية إيرانية وكانت سرية وتم تصنيفها. يُقترح في هذه الوثائق إنشاء مراكز سرية للبرنامج النووي، واختيار أشخاص موثوقين للعمل فيها.

الخزائن التي اشتراها الموساد
أبلغ عملاء الموساد في إيران تل أبيب في أواخر 2016، أنه تم نقل أرشيف البرنامج إلى مستودع في ضواحي طهران.

يقول رونين بيرغمان إنّ الموساد أعاد إنشاء مجسمٍ طبق الأصل للمنطقة، بما فيها الشوارع والكلاب حول المستودع، ليعتاد عملاء الموساد عليها، خلال تدريبهم الذي يستغرق ستة أشهر.

كان عملاء الموساد يراقبون تحركات الحراس وحركة ذهابهم وإيابهم لفترةٍ طويلة، ويدرسون مخطط المبنى الذي تُحفظ فيه الخزائن.

وبحسب بيرغمان، فإنّ الخزائن البالغ طولها مترين ونصف، صنعت من قبل شركة في طهران، وتمكن الموساد عن طريق شركة وهمية من شراء نموذجين منها، ونقلهما إلى أوربا، ومن هناك إلى أحد مراكز الموساد، من أجل دراستها وفحصها بدقة. ويقول إنّ مسؤولي الموساد أدركوا أنّ بإمكانهم فتح أي خزنة خلال سبع دقائق بعد تعريضها لحرارة تبلغ 3500 درجة.

قال يوسي كوهين، الذي تمت هذه العملية خلال فترة رئاسته للموساد، في مقابلته الشهيرة مع القناة 12 التلفزيونية الإسرائيلية، إنه اتخذ قرارين مهمين بصفته رئيساً للمنظمة: “أولاً، يجب على عملائنا أن يراقبوا باستمرار حركة نقل هذه الوثائق، وألا يغفلوا عنها للحظة، وثانياً أني أوعزت لهم للاستعداد لنقل الوثائق”.

وقال كوهين، الذي كان يشرف على العملية، ليلة تنفيذها، على الهواء مباشرةً، إنّ المأمورين لم يكن لديهم سوى سبع ساعات، وكان عليهم أن يغادروا المكان، قبل تبديل نوبة الحراس.

كان المستودع يحتوي 32 خزنة، لكن يبدو أنّ عملاء الموساد كان لديهم معلومات دقيقة عن محتوياتها، ومضوا نحو الخزائن التي كانت تحتوي وثائق أكثر أهمية.

ذكرت بعض المصادر أنّ الموساد نقل الوثائق إلى جمهورية أذربيجان ومنها إلى تل أبيب. لكن لم تعلّق أيّ من إيران أو أذربيجان أو إسرائيل على هذا الادعاء.

كما لم يذكر يوسي كوهين أيضاً في مقابلته كيف تم إخراج الوثائق من إيران، لكنه زعم أنّ جميع العملاء الذين شاركوا في هذه العملية، خرجوا سالمين من إيران.

الاسم الذي طُلب تذكره

يرى روبرت كيلي، وهو أحد المفتشين السابقين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أنّ الوثائق، التي قدمتها إسرائيل، هي وثائق مهمةً، لكنه يعتقد أنّ إيران أوقفت الجزء العسكري من برنامجها النووي منذ عام 2003. فهو يقول: “إنّ مجرّد إيداع هذه الوثائق في مستودع مهجور وتراکم الغبار علیها، هو مؤشر على أنّ إيران أوقفته. هذه الوثائق هي مستندات تاريخية.”

على الرغم من ذلك، ورد اسم في تلك الوثائق أثناء عرضها، وطلب بنيامين نتنياهو من الجميع تذكره، وهو: محسن فخري زاده. وعليه، فقد سلطت هذه الوثائق على الدور الرئيسي لمحسن فخري زاده، فيما يتعلق بالجزء السري من برنامج إيران النووي، وجعلته أكثر بروزاً بالنسبة للموساد.

يقول رونين بيرغمان، إنّ استخبارات الجيش الإسرائيلي كانت تعتقد أنه لا يجب قتل فخري زاده، نظراً لاعتقادهم أنه لم يكن قائداً أو إدارياً ذا تأثير. “لكن الوثائق المسروقة كانت تروي شيئاً آخر. فالسيد فخري زاده كان عالماً جيداً، إضافةً إلى أنه كان يدير البرنامج النووي السري بشكلٍ جيد”.

كما يرى نورمان رول أيضاً، أنّ محسن فخري زاده كان المسؤول الوحيد عن الإدارة التنظيمية والإجراءات الإدارية لعسكرة لبرنامج إيران النووي. وبحسب اعتقاده، فإنّ السيد فخري زاده “كان يحظى بثقة مطلقة من المرشد وكذلك من قادة الحرس الثوري الإيراني”.

بعد مرور نحو عامين ونصف من عرض الوثائق النووية، استُهدف محسن فخري زاده، وتمت تصفيته على طريق آبسرد دماوند (80 كم شرق طهران)، في عملية لم تتضح بعد أبعادها بشكلٍ كامل حتى الآن، ولم يتم إلقاء القبض على أي شخص على صلةٍ بها.

القادة الذين أصبحوا جواسيس
يعتقد الكثير من المسؤولين الإيرانيين السابقين، أنّ منظمة التجسس الإسرائيلية باتت تخترق الأجهزة الأمنية والحرس الثوري في أعلى المستويات. فقبل أشهرٍ، قال محمود أحمدي نجاد، الرئيس الإيراني الأسبق، إنّ أعلى شخص مسؤول عن مواجهة إسرائيل في وزارة الاستخبارات، كان جاسوساً لإسرائيل.

كما حذّر علي يونسي، وزير الاستخبارات الأسبق أيضاً، قبل فترةٍ، من أنّ نفوذ الموساد في أجزاء مختلفة من البلاد وصل لدرجةً بحيث يتعيّن على “جميع المسؤولين في الجمهورية الإسلامية أن يخشوا على حياتهم”.

كانت بي بي سي على اتصالٍ بأشخاصٍ في الزنازين الأمنية بسجن إيفين، ممن يقولون إنّ عدداً كبيراً من قادة القوات الأمنية والعسكرية، من بينهم قادة في الحرس الثوري وفيلق القدس، موجودون في السجن. وهم متهمون بالتجسس لصالح أجهزة استخبارات أجنبية، ولا سيما إسرائيل.

يقول رضا علي جاني، وهو باحث وأحد النشطاء القوميين-الدينيين، إنّه لا يتم الإعلان عن خبر اعتقال وسَجن هؤلاء الأشخاص لأنّ ذلك يتسبب بـ “إحداث فضيحة لمؤسسات الاستخبارات وللنظام برمته”.

يعتبر السيد علي جاني، الذي أجرى أبحاثاً عن اختراق المؤسسات الاستخباراتية والأمنية الإيرانية، أنّ مهام قوات الأمن الإيرانية إجمالاً تتمثل في التصدي لأعداء الداخل، ومنتقدي الدولة وناشطي حقوق الإنسان، ويقول إنّ هذه القضية، إلى جانب الضعف الهيكلي، مهّد للإسرائيليين الطريق للتغلغل إلى قلب النظام.

وقال خبير استخباراتي سابق في فيلق القدس (طلب عدم الكشف عن هويته) لبي بي سي، إنّ اختراق التنظيمات الاستخباراتية الأجنبية للحرس الثوري بدأ منذ سنوات. ويوضح أنّ فيلق القدس لديه وصول اقتصادي محدود، وأنّ قلة خاصة لديهم القدرة على الوصول إلى الإمكانيات والأموال.

يعتبر هذا الخبير الاستراتيجي، أنّ تمركز قوة وطاقة الحرس الثوري في العراق، ولبنان، وسوريا، وأفغانستان، فرصةً جيدة لمنظمات التجسس الأجنبية، لتشكيل خلايا داخل إيران.

ويقول: “أعلم أنّ الاستخبارات الأجنبية كانت تمتلك وثائق على علاقة بعض السفراء أو كبار قادة الحرس الثوري بالنساء. ويمكن لأجهزة التجسس استخدام هذه الوثائق للإيقاع بهؤلاء الأشخاص وتوظيفهم.”
ووفقاً لقول علي جاني، فإنّ الكثير من قادة الحرس الثوري الإيراني يذهبون إلى دول المنطقة، بما في ذلك روسيا، للتدريب، “فتجذبهم الاستخبارات الأجنبية في الفنادق، من خلال نقاط ضعفهم المالية والجنسية.”

في غضون ذلك، توجد منافسة شرسة أيضاً بين مؤسسات الاستخبارات الإيرانية، وأهمها المنافسة بين جهاز استخبارات الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات. يقول السيد علي جاني: “في صراعاتهم الداخلية، يضعون كاميرات مراقبة في غرف نوم بعضهم البعض، ويلتقطون مقاطع فيديو.”

حرب الظلال في وضح النهار
خلال السنوات الماضية، تمكنت أجهزة الاستخبارات الإيرانية من تجنيد أشخاص في إسرائيل. فقبل ثلاث سنوات حُكم على غونين سيغيف، الذي كان وزير الطاقة والبنية التحتية في إسرائيل منتصف التسعينات، بالسجن 11 عاماً، حيث كان متهماً بسفره إلى طهران عدّة مرات وتجسسه لصالح إيران.

يقول رونين بيرغمان، إنّ الحرب في القرن الحادي والعشرين “لم تعد حرب الدبابات الكبيرة وحشد الجنود في ساحة المعركة. ما يحدث الآن هو الحرب بذاتها، إذ أنّ إيران وإسرائيل تخوضان حرباً شرسة للهيمنة على المنطقة وبسط السيطرة عليها.”

يعتقد العميل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية نورمان رول أيضاً أنّ حرب إيران وإسرائيل لم تعد حرباً مخفيةً أو في الظل.
يقول الإسرائيليون إنهم سيستخدمون، كل الطرق من أجل بقائهم، ويمنعوا وصول الجمهورية الإسلامية إلى القنبلة النووية. وبالنسبة لإيران فإنّ مواجهة إسرائيل

هي مواجهة أيديولوجية، ومعركة للسيطرة على الشرق الأوسط، الذي أصبح ينفتح شيئاً فشيئاً على إسرائيل.

المصدر: بي بي سي
(*): صحافي بارز في بي بي سي- قسم العلاقات الدولية