Connect with us

مدونة آسو

بعيدا عن التمييز… مزيدا من نبذ الكراهية

نشر

قبل

-
حجم الخط:

هذه المادة منشورة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) وشبكة آسو الإخبارية في برنامج تعاون ضمن مشروع إعلام يجمعنا، حول” تعزيز دور الإعلام في محاربة الإستقطاب وخطاب الكراهية من أجل مجتمع متماسك”.

جمعة خزيم*

انت عنصري “متحيز”… فوقي… شوفيني… متكبر… عبارات تسمع وتقال هنا وهناك، بل قد يؤكد محدثك بانك عنصري للعظم، سلوكك اليومي يؤكد لك، تفرق بين البشر من خلال علاقاتك، هذا أسمر وذاك من ذوي الدم الأزرق بل قد يتعدى ذلك حيث تفرق في المعاملة اعتمادًا على موطن محدثك أو ممن لهم علاقات مباشرة معك سواء في مجتمعك أو حيك.

واستعمال لفظ التمييز الذي يخلق بدوره نوه من الكراهية بين فئات المجتمع الواحد من المصطلحات التي يستخدمها علم الاجتماع في عدة حالات، منها حينما توجد جماعة قوية تفرض سلطتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على الجماعة الضعيفة وتحاول تشريع القوانين والقرارات التي تسند قوتها بغية المحافظة على امتيازاتها ومكاسبها وهذا التمييز قد تمارسه جماعة عنصرية أو دينية أو سياسية ضد الآخرين وفي هذه الحالات وغيرها تكون الثقافة السائدة ذات طالع يعتمد على التمييز بين البشر وهذا السلوك مرفوض من كل الديانات ويثير خطاب الكراهية بين أفراد المجتمع الواحد.

حديثنا اليوم ينصب حول موضوع التمييز والتعصب والاستغلال والحوار الدائر على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي قضايا تهم قطاع كبير من المجتمع، سواء من ذوي الاختصاص أو العامة من الناس. وهنا تأتي أهمية فسح المجال والمشاركة لكافة الآراء لمناقشة تلك القضايا الشائكة، فالاختلاف في الآراء يؤدي إلى معالجة الموضوعات بشكل أوسع إذ إن كل طرف من الأطراف يحاول أن يبين مكامن الخطأ ويطرح تصوراته حول تلك الأمور انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية وبامتلاكه الرؤية الكاملة لحلها في المجالات التي تم ذكرها، سياسياً – اقتصادياً – اجتماعياً. هناك العديد من الآراء والاجتهادات وكلها تهدف، من وجهة نظرها، المساهمة في تشكيل معالم ملامح المجتمع خلال هذه الفترة.

ولعل ما يميز المرحلة التي تمر فيها مجتمعاتنا هي عدم الاستقرار بكافة أشكاله، ففي المجال الاقتصادي تزداد الفجوة بين من يملك الخبز وبين من لا يجده، وهذه بطبيعة الحال انعكاس لسياسة التبعية التي ترسخها القطط السمان في أكثر أرجاء الوطن عامة، وشمال وشرق سوريا خاصة، في حين تدفع الجماهير الثمن يوماً بعد يوم، مما يعني أن الصراع الاقتصادي قد برز على السطح، مهما حاولت المهدئات أن تحول دون ذلك، ولعل تدهور الليرة السورية في الآونة الأخيرة يؤكد حقيقة الخلل الكبير الذي أصاب الأوضاع الاقتصادية مما انعكس سلباً على الأوضاع المعيشية للشعب بشكل مباشر بسبب ارتفاع الأسعار ومتطلبات الحياة اليومية حيث إن إيرادات الأغلبية منهم لا تستطيع أن توفر الحد الأدنى للمستوى المعيشي.

وهنا يبرز البعض المستفيد من هذه الأوضاع، وهم بلا شك متواجدون ويستغلون هذه الظروف للثراء السريع على حساب الأغلبية.

ومن الجانب السياسي، تؤكد الأوضاع السياسية في المنطقة أن الاستقرار أبعد مما يمكن تصوره في هذه المرحلة، وهذا الوضع يعجز عن مواكبة أحداثه العامة، وهذا بالطبع ينعكس على منطقة الشرق الأوسط الجديد الذي تم التخطيط له عبر مخططات استراتيجية دولية إقليمية يعكس مصالح الدول التي قامت على بنائها.

كذلك فإن التمييز بكل أشكاله وتغييب العامة من الشعب المشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية يعطي الفرصة لبروز عدم الاستقرار السياسي الداخلي أكثر من أي وقت مضى، حيث إن البدائل المطروحة على الساحة السورية عامة، وشمال وشرق سوريا خاصة، أقلها تطرفاً سيكون أشد عنفاً مما هو متوقع، وهذا ما حصل بالطبع في المرحلة الماضية من السنوات التي عانى فيها الشعب القتل والتدمير والتهجير القسري والقتل على الهوية.

والجميع يعلم أن تغييب الأغلبية في واقع الأمر بداية لعهد جديد قد يطول انتظاره إلا أنه واقع حتمي، وهذا ما يقوله التاريخ بشكل عام من خلال الأحداث التي جرت وتجري في المنطقة، فيما يمر المجتمع في المجال الاجتماعي بتحولات كبيرة قد لا تكون ملموسة بحيث يلاحظها الجميع، غير أن المتتبع عن كثب يدركها.

إن هذه التحولات بدأت تظهر بشكل واضح من خلال بعض المؤشرات ذات الدلالة، ولعل ظاهرة التمييز والتعصب بشكل عام تؤكد أن هذه التجمعات تمر بمرحلة عدم الاستقرار، حيث يصرّ كل فريق على أنه يمتلك الحقيقة كاملة، وأن ما عداه مخطئ حتى العظم، هذا التعصب للرأي يبين مدى البلاء الذي حل بالشعب في المنطقة،

إن الظروف التي تمر بها مجتمعاتنا في هذه المرحلة، في كافة جوانب الحياة، تؤكد على تفرز ظاهرة التمييز والتعصب والانا الذاتية، إضافة إلى ضيق الأفق لدى من يدّعي أنه يملك الحقيقة كاملة ويتهم الآخرين بالجهل والسطحية، على حين أن معظم الأمور المختلف عليها بالإمكان أن تناقش بأسلوب ديمقراطي يحترم كل طرف من الأطراف الأخرى التي قد تختلف معه، وهذا لم يحدث حتى الآن بالصورة المطلوبة.

ومن المعلوم أن الشعور المطلق بامتلاك الحقيقة واحتكارها، يدفع إلى رفض قناعات الآخرين وحقائقهم، وممارسة العنف بحق من يرفض هذه (الحقيقة) وعملية احتكارها؛ وذلك لأن هذا الشعور يولد حالة من التعصب لقناعات الذات وأفكارها.

كذلك فإن الجميع يعلم تاريخياً أن التمييز والتعصب يولد الكراهية والعنف الذي بدوره يولد الأعمال التخريبية والترويع والتخويف، واستخدام أدوات القوة في العلاقات الإنسانية وإنما على العكس من ذلك، نجد أن العنف، يشكل قناة أساسية، لتبديد الطاقات، ونسف الإنجازات وتعريض أمن الجميع للكثير من المخاطر والمساوئ.

إن هذا الثالوث الخطر (التمييز بكل اشكاله والحجر على الآراء – التعصب)، يتغذى كل واحد من الآخر، فالاحتكار يهيئ الأرضية والظروف لممارسة الاستغلال بكافة مجالاته، والعنف والتعصب يؤكدان خيار الاستبداد ويعمقانه على مستويات الحياة كافة، ولا يؤدي إلا لرد فعل موازنة في القوة مضاد له في الاتجاه وهنا تكثر الدائرة القهرية الى أن تسود الديمقراطية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وحين ذلك يبدأ فجر جديد.

وأخيرا فان الانتماء للوطن، حق للجميع والولاء له يؤكده سلوكه، وحرصه على مصلحة مجتمعه، ووطنه، ووعيه بذلك، لا يشكله أصله العرقي.

*عضو شبكة الصحفيين الكرد، ومدير مركز اسو للاستشارات والدراسات الاستراتيجية
الصورة من النت