كيف نستعين بصور الأقمار الصناعية لكشف الصور المضللة؟

أمثلة ونماذج عملية حول تقنية تحديد الموقع الجغرافي

“تمّّ كتابة هذه المادة من قبل فريق “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ضمن مشروع خاص لتدريب صحفيين/ات ومدافعين/ات عن حقوق الإنسان على تقنيات التحقق الرقمي، وجرى نشرها بالتعاون مع المنظمات ووسائل الإعلام الشريكة التالية: منصة نكستوري، وكالة نورث برس، مجلة صور، ترو بلاتفورم، شبكة آسو ومنظمة نكستيب”

المقدمة
تحظى تقنية تحديد الموقع الجغرافي، بأهمية متزايدة، مع تصاعد انتشار المعلومات المضللة والزائفة، عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ذلك أنها تساعد في تحديد موقع التقاط الفيديوهات والصور الرائجة، كما تتيح إمكانية التعرف على الخصائص الجغرافية لمنطقة ما، وبالتالي التحقق من صحة أية ادعاءات حول وقوع حادثة معينة فيها.
والمقصود بالموقع الجغرافي (GEOLOCATION)، هو الموقع الفعلي لجسم ما على سطح الكرة الأرضية، بدلالة إحداثيات خطوط الطول والعرض.
ولتحديد موقع ما، كثيراً ما نلجأ إلى مصادر مفتوحة عديدة، متوفرة عبر شبكة الإنترنت؛ كصور الأقمار الصناعية، والصور البانورامية الملتقطة بتقنية 360 درجة، إضافة إلى المواقع والتطبيقات المتخصصة المجانية، وحتى النصوص والكتب المنشورة وغيرها.

التحقق وصور الأقمار الصناعية
تتزايد أهمية استخدام صور الأقمار الاصطناعية في عمليات التحقق يوماً بعد آخر، وخاصة من خلال ربطها مع صور وفيديوهات حيّة يتم التقاطها على الأرض وفي الميدان. حيث أنّ عملية الربط بين صور الأقمار الاصطناعية والصور المأخوذة على الأرض، تعطي نتائج حاسمة فيما يخصّ تحديد الموقع الجغرافي.
هنالك العديد من المواقع التي توفر صور أقمار اصطناعية، سواء تلك المفتوحة المصدر، أو التي تتطلب اشتراكاً. ومنها:

خرائط غوغل Google Maps
تعد خدمة الخرائط التي توفرها شركة غوغل، واحدة من أهم المصادر المفتوحة التي يتم الاستعانة بها لتحديد الموقع الجغرافي، والتحقق من صحة الصور والفيديوهات. ولهذه الخرائط ميزات عديدة، من أبرزها:

تتيح أسماء الأماكن وميزة البحث عنها بعشرات اللغات: وهي ميزة تتفاوت ما بين منطقة وأخرى، ذلك أنها لا توفر الأسماء بما يكفي في الأماكن الأقل اكتظاظاً بالسكان، خاصة في المناطق التي تقع خارج أمريكا الشمالية وأوروبا.
ولا يختلف الحال في سوريا، إذ تتوفر أسماء الأماكن بشكل أفضل في المناطق الغربية من البلاد، مقارنة بالمنطقة الشرقية.

صور الشوارع Google street view: هي صور ملتقطة بتقنية زاوية 360 درجة، (بواسطة سيارة أو سيراً على الاقدام) تتيح إمكانية إجراء جولة افتراضية في الشوارع التي تم التقاطها فيها، وتقتصر هذه الصور على بلدان معينة، وعلى مناطق تتوجد بها شوارع بالفعل، ولا تتوفر هذه الميزة في سوريا، بخلاف تركيا المجاورة، حيث تتوفر تغطية للكثير من المدن والطرقات الرئيسية.
فعند إجراء جولة افتراضية، نحتاج رمز الهيكل البشري الملون بالأصفر والموجود أسفل يسار الخريطة، وتحريكه بزر الفأرة، ونقله إلى حيث نريد إجراء جولة افتراضية على الخريطة.

نموذج الارتفاع الرقمي ثلاثي الأبعاد: يوفر هذا النموذج عرضاً ثلاثي الأبعاد لبعض المدن حول العالم، ويمكن من خلاله تحريك زاوية الكاميرا، لمعرفة العناصر الظاهرة فيها، وهو نموذج غير متوفر في سوريا.

تطبيق Google Earth Pro
وهو تطبيق خاص بخراط غوغل، يوفر ميزات إضافية، حيث يمكن استخدام التطبيق على الويب و أجهزة الموبايل، وعلى أجهزة الكمبيوتر الثابتة (desktop).

ميزات تطبيق Google Earth Pro
يفيد هذا التطبيق في عمليات التحقق وتحديد الموقع الجغرافي للصور والفيديوهات، بشكل يفوق خرائط غوغل، رغم أنهما يشتركان في كثير من الميزات والخصائص. لـ Google Earth Pro قاعدة بيانات، تظهر أسفل يمين واجهة التطبيق، بالنسخة العربية، تساعد المستخدم على إظهار، الحدود، سواء الحدود الوطنية أو حدود المحافظات، أو إظهار الصور، وأسماء الأماكن، والشوارع الرئيسية، إضافة إلى التضاريس.

ويتيح التطبيق، خاصية عرض المباني بوضعية ثلاثية الأبعاد (تختلف عن النموذج ثلاثي الأبعاد)، وإجراء جولة ضمن الخرائط ورؤية المباني والتضاريس من زاوية محددة.

من أهم ميزات Google Earth Pro
1- حفظ المواقع وتسجيل جولة: يمكن إضافة علامة موضعية (الدبوس) للمواقع المراد حفظها والعودة إليها لاحقاً، كما يمكن حفظ جميع ما نقوم به من خطوات، من خلال خاصية تسجيل جولة.

2- يوفر Google Earth Pro، تاريخ التقاط الصور (Image Date): بخلاف خرائط غوغل، حيث يظهر تاريخ التقاط الصور، أسفل اليمين في واجهة التطبيق.

3- استعراض الصور التاريخية: لدى Pro إمكانية استعراض صور جديدة وقديمة، للأماكن والمواقع ذاتها بتواريخ مختلفة، بخلاف خرائط غوغل Google Maps.

وتبدو خاصية استعراض الصور التاريخية مفيدةً جداً، في معرفة التغييرات التي تطرأ على الأماكن، خاصة خلال الحروب.

نماذج عن تحديد الموقع الجغرافي للصور والفيديوهات
خلال تحري صحة الصور و مقاطع الفيديو، قد تصادفنا حالات مختلفة من المواد المرئية، بحيث تحتاج كل مادة منها إلى طريقة تحقق مختلفة عن الأخرى، وغالباً ما تكون مهمة تحديد الموقع الجغرافي لالتقاطها، سهلةً للغاية، في الحالات التي تتوافر فيها البيانات الوصفية.

وعادة ما يكون التحدي الفعلي لتحديد الموقع الجغرافي لالتقاط الصور والفيديوهات، في تلك الحالات التي لا تتوفر فيها بياناتها الوصفية.

تحديد الموقع الجغرافي لصورة دون بيانات وصفية
في الحالات التي لا تتوفر فيها بيانات وصفية للصور أو مقاطع الفيديو المبحوث عنها، لن يكون أمامنا سوى تغيير طريقة البحث، واللجوء إلى أدوات أخرى، قبل الوصول إلى تحديد الموقع الجغرافي لالتقاطها.

على سبيل المثال؛ تداولت عشرات الصفحات الموالية للحكومة السورية، في منصة فيسبوك، مطلع شهر كانون الثاني/ديسمبر 2024، صورة مزعومة للقاعدة الأمريكية في حقل العمر النفطي بريف دير الزور، مع ادعاء أن القاعدة دمرت بالكامل.

وانتشرت الصورة ضمن بوستر تضمن عبارة “تمت إزالة القاعدة من الوجود”، بعد ساعات من تبني فصائل عراقية موالية لإيران عملية الاستهداف. جاء ذلك في أعقاب استهداف أمريكي لشاحنة للفصائل قبل يوم من ذلك التاريخ، عند معبر القائم في منطقة البوكمال على الحدود العراقية السورية.
للتحقق من صحة الصورة التي يبدو أنها مأخوذة من صور أقمار صناعية، أجرينا بحثاً عكسياً عن الصورة، بعدة محركات فلم نصل إلى أية نتيجة.

لكن عند استخدام خرائط غوغل (Google Maps)، تبين أن الصورة المحاطة بإطار عدسة مكبرة ضمن بوستر متداول، هي جزء من صورة الأقمار الصناعية لحقل العمر النفطي، المتوفرة على خرائط غوغل (Google Maps).

ولأن خرائط غوغل لا تورد تاريخ لالتقاط الصور، استخدمنا تطبيق (Google Earth Pro) في محاولة لتحديد تاريخ التقاط الصورة، فأظهرت المقارنة بين صور خرائط غوغل، وصور الأقمار الصناعية التي يوفرها التطبيق للحقل، والتي يصل عددها إلى 50 صورة، إن تاريخ الصورة التي تم استخدام جزء منها في البوستر المزعوم، يعود إلى 15كانون الثاني/يناير 2021.

تحديد الموقع الجغرافي لمقطع فيديو
تداولت حسابات على منصة إكسx، في تشرين الأول/ أكتوبر2023، مقطع فيديو قصير، مع ادعاء أنه يعود لقصف إسرائيلي على مدينة غزة.

وكان من بين من تداول المقطع، حسابات لوسائل إعلام موالية للحكومة السورية، فيما شكك بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي في صحة المقطع، وأشاروا إلى أنه يعود لقصف للقوات الحكومية جرى على محافظة إدلب في وقت سابق.

لغرض التحقق من صحة الفيديو المتداول، وتحديد الموقع الجغرافي لالتقاطه، نحتاج إلى إجراء بحث عكسي للصورة، وذلك بعدما تأكدنا من عدم توفر بيانات وصفية للفيديو، لذلك كان لابد من الحصول على لقطات شاشة (Screenshots) من الفيديو باستخدام أداة InVID، حيث يساعد خيار الإطارات الاساسية(keyframes) في انتقاء مجموعة من لقطات الشاشة، تراعى فيها إظهار أبرز العناصر المرئية في المقطع.

بعد وضع رابط مقطع الفيديو، في الخانة المخصصة، والضغط على SUBMIT اختارت الأداة مجموعة لقطات شاشة، يمكن من خلالها إجراء بحث عكسي.

لكن البحث العكسي باستخدام لقطات الشاشة، لم يوصلنا إلى نتائج يمكن لها أن تقطع الشك باليقين، كما هو واضح في الصورة أدناه:

لذا كان لابد لنا من تغيير طريقة بحثنا مجدداً وإجراء بحث باستخدام كلمات مفتاحية، عبر منصة إكس، وأيضاً بالاعتماد على الأداة InVID. لكننا حاولنا في هذا البحث، حصر التغريدات المنشورة عن مدينة اريحا، ما بين تاريخ السادس والثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وذلك بهدف الوصول إلى مقاطع، قد تكون منشورة قبل تاريخ تداول المقطع المراد تحديد موقعه الجغرافي.

بعد الضغط على SUBMIT، ظهر من ضمن النتائج الأولى، مقطع مشابه للمقطع المتداول، بلغت مدته 02:12 دقيقة، وقد نشره صحفي سوري على حسابه في منصة إكسx في الساعة 07:14 من مساء السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
حيث يظهر الصحفي ليتحدث عن قصف مدفعي وصاروخي لقوات النظام على مدينة اريحا لليوم الثالث على التوالي. ومن الواضح أن الثواني الخمسة الأولى من هذا المقطع، تتطابق مع المقطع المراد التحقق منه.

كما أظهرت النتائج، مقطعاً آخر مشابه للمقطع المتداول، لكن إطاره يبدو أصغر حجماً، وقد نشرته وسيلة إعلامية سورية على حسابها في منصة إكسx، في الساعة 07:55 من مساء ذلك اليوم.

إلى هنا بات من الواضح أن المقطع المتداول ليس لقصف على مدينة غزة، إلا أننا لا زلنا في حاجة للتحقق أكثر عن الفيديو المتداول والوصول إلى الفيديو المصدر، وتحديد الموقع الجغرافي لالتقاطه.

من أجل ذلك كان لا بد من التمعن في المقطع الجديد وتحديد العناصر المرئية الظاهرة فيه، لمقارنتها بما تظهره صور الأقمار الصناعية.
إذ يظهر المقطع مسجدين ومدرسة، إضافة إلى طريق ملتف مرتفع عن المدينة، يقع في مستوى أقل من المكان الذي التقط فيه الصحفي الفيديو، كما يبدو وكأنه يقع على أطراف المدينة.

الخطوة التالية، هي الاستعانة بتطبيق Google Earth Pro، والانتقال إلى خريطة مدينة اريحا.

هنا لابد من إجراء مسح لمختلف أطراف المدينة، واستبعاد الخيارات غير المفيدة منها. وبعد عدة محاولات وإجراء مسح للمنطقة المحيطة بانحناءتي الطريق في يمين الصورة أعلاه، توصلنا إلى الصورة أدناه:

وكما يبدو من الصورة هناك مسجدان على الأقل ومدرستان، وهو ما يدعم احتمالية أن يكون هذا الموقع هو موقع التقاط الفيديو المقصود. بالعودة مجدداً إلى لقطة الشاشة التي حصلنا عليها من المقطع، باستخدام أداة InVID

وإجراء مقارنة بينها وبين عدة لقطات شاشة حصلنا عليها باستخدام أداة InVID، من المقطع الذي نشره الصحفي أيضاَ، ومن ثم العودة إلى الصورة الظاهرة في الخريطة، تتعزز احتمالية أن يكون هذا الموقع هو موقع التقاط الفيديو.

وبمحاولة مطابقة هيئة أحد المساجد الظاهرة في الفيديو مع صور المساجد المتوفر على الخريطة. سنرى أن هناك تطابقاً بينهما.

لكن مع متابعة البحث، وبعد العثور على صورة متوفر لمسجدين معاً على خرائط غوغل، ومقارنتها مع صورة المسجدين الظاهرين في مقطعي الفيديو، يتبين مدى تطابق شكل المنارات في الصورتين، وهو ما يقدم دليلاً إضافياً على أن المقطع المتداول يعود لمدينة اريحا السورية، وهنا نكون قد حددنا موقع التقاط الفيديو، كما أن ظهور الصحفي في المقطع الذي نشره على حسابه، قدم لنا دليلاً حاسماً على أن مقطعه هو المصدر الأصلي للمقطع المتداول على أنه قصف إسرائيلي على مدينة غزة الفلسطينية.